والآيات هنا وفي كثير من المواضع، تذكر أن نوحًا أرسله الله إلى قومه فقال: ﴿يَا قَوْم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ (الأعراف: ٥٩) والقوم مَن تستعين بهم من الأهل والعشيرة، ومن يكونون عونًا لك على الزمان وتقلبات الأيام، وفي هذا عدة دروس، منها: طريقة نوح، بل وطريقة الأنبياء في الدعوة إلى الله، بالتودد لهم، واستجاشة مشاعرهم، وتذكيرهم بحق القرابة، وما تفرضه من تناصر، وفي خذلان من يدعوهم إلى الخير ويرشدهم إلى ما فيه سعادتهم غصة وألم، كما قال الشاعر:

وظلم ذوي القربى أشد غضاضة على النفس من وقع الحسام المهند
ولذلك جأر رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى ربه، يشكو له هجر قومه للقرآن فقال ما ذكره الله تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَب إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ (الفرقان: ٣٠).
ومن هذه الدروس: أن كل نبي كان يرسل إلى قومه خاصة، وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الناس عامة، ولهذا تلمح أن القرآن إذا ما تحدث عن الأنبياء غير محمد يقول: بأنه أرسل فلانًا الرسول إلى قومه، أما محمد فيقول فيه: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ فهو مبعوث فيهم إلى الناس جميعًا كما ذكر الله ذلك في عدة مواضع؛ ومنها قوله: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ (الأعراف: ١٥٨) وقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ (سبأ: ٢٨) وهذه أول ما وجهه إلى قومه فقال: ﴿يَا قَوْم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ (الأعراف: ٥٩) فترى أنه بادر بتبليغ رسالة ربه كما تدل على ذلك الفاء في قوله: "فقال"، وناداهم مذكرًا لهم بما بينه وبينهم من أواصر القربى ووشائج المحبة التي جعلته يحرص على إنقاذهم من عذاب الله، وعلى إرشادهم لطريق الله، فأمرهم بعبادة الله، وذكر لهم على سبيل الحصر بأنهم لا إله


الصفحة التالية
Icon