يقول الله فيها: ﴿وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: ١٢٤).
فلم يكن حصوله على هذه المنزلة من إمامة الناس، وأن يكون أبا الأنبياء، إلا لأنه استحق هذا حين نجح فيما اختبره الله به، فأداه على وجه التمام والكمال، وهذه الكلمات وردت فيها أقوال كثيرة، وهي أقوال غير متعارضة، ولذلك قال ابن جرير ما حاصله أنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر، وجائز أن يكون بعض ذلك، ولا يجوز الجزم بشيء منها أنه المراد على التعيين، إلا بحديث أو إجماع. قال: "ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد، ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له".
وقد ذكر ابن كثير جملة من هذه الأقوال، منها ما رواه داود بن هند عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: "ما ابتلي بهذا الدين أحد فقام به كله إلا إبراهيم قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ قلت له: وما الكلمات التي ابتلى الله إبراهيم بهن فأتمهن؟ قال: الإسلام ثلاثون سهمًا، منها عشر آيات في "براءة": ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ﴾ (التوبة: ١١٢) إلى آخر الآية، وعشر آيات في أول سورة ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (المؤمنون: ١) و ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ (المعارج: ١) وعشر آيات في "الأحزاب": ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ (الأحزاب: ٣٥) إلى آخر الآية، فأتمهن كلهن فكتبت له براءة قال الله: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ (النجم: ٣٧) ".
ومنها ما روي عن ابن عباس قال: "الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم فأتمهن: فراق قومه في الله حين أمر بمفارقتهم، ومحاجته نمروذًا في الله حين أوقفه على ما أوقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه هلاكه، وصبره على قذفه إياه في النار ليحرقوه في الله، على هول ذلك من أمرهم، والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده