فانظر كيف دعا موسى فرعون لإطلاق سراح بني إسرائيل؛ للعودة بهم إلى الأرض المقدسة، وفي إثبات أنه رسول الله دليل وحجة تقوم على فرعون وقومه، وعليهم أن يؤمنوا بما دعا إليه هذا الرسول، مِن إفراد الله بالعبودية، والانضواء تحت راية الإيمان، فإن لم يؤمنوا عاقبهم الله؛ لأن الله كما قال: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ (الإسراء: ١٥) ولذلك قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ (النمل: ١٣، ١٤).
وآمن به مِن آل فرعون بعض مَن يكتم إيمانه، كما آمنت به آسيا امرأة فرعون، التي ضربها الله مثلًا للذين امنوا، فقال: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (التحريم: ١١).
والرسول وإن بعث إلى قومه خاصة، لكن الإيمان يلزم مَن تُعرض عليه الدعوة، ومن يكون في طريق هذا الرسول في لقاء أو ما شابه ذلك، فكان هذا من رحمة الله برسله، إذ لم يكلفهم بحمل عبء الدعوة العامة لكل البشر، لكن رحمة الله للعالمين كانت لمحمد -صلى الله عليه وسلم- الذي أهّله ربه لهذه المهمة، وقال له: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ (الفرقان: ٥١، ٥٢).
وهذا موسى ومعه أخاه هارون، يصلان إلى فرعون لتبليغ رسالة ربهما، فانظروا إلى المنهج الذي سلكاه في دعوة فرعون، إلى إطلاق سراح بني إسرائيل، ليذهبا مع موسى وهارون، وإلى إثبات ألوهية الله واستحقاقه أن يعبد وحده، والآيات تعبر عن خوف موسى وهارون من بطش فرعون، وكيف أذهب الله عنهما هذا الخوف، فتقول: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ


الصفحة التالية
Icon