ويروي الإمام أحمد عن الحسن -رضي الله تعالى عنه- قال: ((استشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس في الآثار يوم بدر، فقال: إن الله -عز وجل- قد أمكنكم منهم، قال: فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم، قال: فأعرض عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم، وإن ما هم أخوانكم بالأمس، قال: فقام عمر فقال: يا رسول الله؛ اضرب أعناقهم، فأعرض عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: ثم عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال للناس مثل ذلك، فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله إن ترى أن تعفو عنهم وتقبل منهم الفداء، قال: فذهب عن وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما كان فيه من الغمّ، قال: فعفا عنهم، وقبل منهم الفداء قال: وأنزل الله -عز وجل-: ﴿لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (الأنفال: ٦٨))) إلى آخر ما نزل من الآيات.
ففي هذا الحديث ما يبين عظم خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه مع شدة عداء أعدائه، ومع أنهم حاربوه وقتلوا من أصحابه من قتلوا إلا أنه -عليه الصلاة والسلام- عفا عنهم، وقبل منهم الفداء -فصلوات الله وسلامه- على هذا الرسول الذي لا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح.
الإمام أبو الحسن الماوردي في (أدب الدنيا والدين)، ذكر كلامًا كثيرًا في الفصل الرابع في كتابه في الحلم والغضب، وذكر لنا أسباب الحلم الذي يؤدّي إلى الصفح وإلى العفو، فمما ذكر في ذلك قال: روى سفيان بن عيينة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين نزلت هذه الآية: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ (الأعراف: ١٩٩) قال: ((يا جبريل ما هذا؟ قال: لا أدري حتى أسأل العالم، ثم عاد جبريل وقال: يا محمد، إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك))، ثم يذكر ما رواه هشام عن الحسن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم، كان


الصفحة التالية
Icon