فقال: أي رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات -أي: المشتغلات بأمر الزنا- فتذاكر بنو إسرائيل جريج وعبادته، وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها فقالت: إن شئتم لأفتننه لكم، قال: فتعرضت له فلم يلتفت إليها، فأتت راعيًا كان يأوي إلى صومعته، فأمكنته من نفسها، فوقع عليها فحملت، فلما ولدت قالت: هو لجريج، فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي فولدت منك، فقال: أين الصبي؟ فجاءوا به فقال: دعوني حتى أصلي فصلى، فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال: يا غلام، من أبوك؟ قال: فلان الراعي، قال: فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا)).
ففي هذا الحديث نرى ما كان من أمر هذا العابد وأنه فضل صلاته على إجابة دعوة أمه لجبر خاطرها، فلما غضبت منه دعت عليه بهذه الدعوة؛ أن ينظر إلى وجوه المومسات، فتحقق هذا وحدث، وجاءت هذه البغي وفعلت ما فعلت؛ لكنه لأنه حفظ الله -سبحانه وتعالى-؛ فلم يقترب منها ولم يرتكب المعصية، وإنما لاذ بدينه وإيمانه، ولكن هذه المرأة الفاجرة جاءت إلى راعٍ يأتي إلى هذه الصومعة ففعلت معه ما فعلت، وحملت بهذا الصبي، فارتكبت عدة جرائم: ارتكبت جريمة الزنا وجريمة الكذب وجريمة البهتان وادعت زورًا وظلمًا أن هذا الصبي هو ابن لجريج، ولكن الله -عز وجل- عنده الفرج وهو ولي الصالحين؛ لم يترك عبده هذا لجرم هؤلاء المجرمين، إنما أنطق هذا الصبي فذكر أن فلانًا الراعي هو أبوه، فأقبل القوم على جريج -كما جاء في الحديث- يقبلونه ويتمسحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا، الشاهد في الحديث -كما رأينا- هو ما في طاعة الأم من فضل ومن خير ومن بركة.