وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ((جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستأذنه في الجهاد فقال: أحيّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد)).
وقريب من ذلك ما روي عن أنس -رضي الله عنه- قال: ((أتى رجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه -ربما لظروفه الصحية أو لعدم قدرته المالية- فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: هل بقي من والداك أحد؟ قال: أمي، قال: قابل الله في برها فإن فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد)) يقول الإمام الحافظ المنذري: رواه أبو يعلى والطبراني في (الصغير) و (الأوسط)، وإسنادهما جيد؛ ميمون بن نجيح وثقه ابن حبان، وبقية رواته ثقات مشهورون.
وأيضًا في هذا الباب وفي هذا السياق يروي عن طلحة بن معاوية السلمي -رضي الله عنه- قال: ((أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله، إني أريد الجهاد في سبيل، قال: أمك حية؟ قلت: نعم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الزم رجلها فثم الجنة)) أي فهناك الجنة عند رجلها.
وعن معاوية بن جاهمة: ((أن جاهمة جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها فإن الجنة عند رجلها)).
وما إلى ذلك من هذه الأحاديث التي تبين أن التزام الأم والتزام الوالدين والقيام بحقهما لا يقل عن الجهاد في سبيل الله -سبحانه وتعالى- بل ربما كان هذا أفضل من الجهاد.
والمقصد من هذا الجهاد الذي ذكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الجهاد غير المفروض، فإن الجهاد إما فرض عين وإما فرض كفاية، فرض العين هو الجهاد الواجب على كل فرد من الأفراد وعلى كل مسلم من المسلمين، وله أسبابه المذكورة في كتب الفقه، أما غير الجهاد المفروض فهو الجهاد الكفائي الذي إذا قام به البعض سقط