وفي سورة "التوبة" نقرأ قول الله تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (التوبة: ٦) ومعنى الاستجارة: أن يقول المشرك: أنا في جوارك، فإن قال المشرك للمؤمن: أنا في جورك، وطلب الحماية، فالمؤمن عليه أن يقبل منه هذا المطلب حتى يسمع هذا الكافر وهذا المشرك كلامَ الله، وهذه الاستجارة ليست هي الجوار الذي نتحدث عنه في جوار إنسان لإنسان يقيم بجواره، يؤدي إليه ما عليه من الحقوق، لكننا في سورة "النساء" قد نجد شيئًا من هذا في قول الله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ (النساء: ٣٦).
ففي هذه الآية الكريمة يأمر الله -سبحانه وتعالى- بالإحسان للوالدين والإحسان إلى ذي القربى واليتامى والمساكين، والإحسان للجار ذي القربى -الجار القريب- والجار الجنب -الذي يكون بجوار الإنسان وهو ملازم له- والصاحب بالجنب -الذي يصاحب الإنسان في سفر ونحوه- وابن السبيل -وهو الذي ينتقل من بلد إلى بلد- وما ملكت أيمانكم.
يبقى لنا الموضع الأخير في هذه الآيات في سورة "الأنفال"؛ حيث يقول ربنا: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (الأنفال: ٤٨) فقول الشيطان للمشركين في أول معركة بدر: ﴿وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ﴾ ليس معناه أنه جار لهم يقيم معهم يقوم بأمرهم يؤدي لهم حقوقهم، وإنما هو كاذب فيما قال


الصفحة التالية
Icon