ويذكر الإمام الغزالي -عليه رحمة الله- في حقوق الجوار: أن الجوار يقتضي حقًّا وراء ما تقتضيه أخوة الإسلام، فيستحق الجار المسلم ما يستحقه كل مسلم وزيادة، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: ((أحسن مجاورة من جاورك تكن مسلمًا))، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه))، وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فليكرم جاره))، وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يؤمن عبد حتى يأمن جاره بوائقه))، ثم يقول: واعلم أنه ليس حق الجوار كف الأذى فقط، بل احتمال الأذى؛ فإن الجار أيضًا قد كف أذاه، فليس في ذلك قضاء حق، ولا يكفي احتمال الأذى، بل لا بد من الرفق وإسداء الخير والمعروف. إذ يقال: "إن الجار الفقير يتعلق بجاره الغني يوم القيامة فيقول: يا رب، سل هذا لم منعني معروفه وسد بابه دوني؟ ".
وجملة حق الجار: أن يبدأه بالسلام، وألا يطيل معه الكلام، وألا يكثر عن حاله السؤال، وأن يعوده في المرض، وأن يعزيه في المصيبة، وأن يقوم معه في العزاء، ويهنئه في الفرح، ويظهر الشركة في السرور معه، وأن يصفح عن زلاته، وألا يتطلع من السطح إلى عوراته، وألا يضايقه في وضع الجذع على جداره، ولا في مصب الماء في ميزابه، ولا في مطرح التراب في فنائه، وألا يضيق طرقه إلى الدار، وألا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره، وأن يستر ما ينكشف له من عوراته، وينعشه من صرعته إذا نابته نائبة، وألا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته، وألا يسمع عليه كلامًا، وأن يغض بصره عن حرمته، وأن يتلطف بولده في كلمته، وأن يرشده إلى ما يجهله من أمر دينه ودنياه.
هذا إلى جملة الحقوق التي هي لعامة المسلمين، فانظروا إلى هذا الذي ذكره الإمام الغزالي من حقوق الجوار؛ لتروا كيف أن هذه الحقوق لو أُديت على وجها الصحيح لكان فيها من ألوان السعادة والخير الكثير للمسلمين جميعًا.


الصفحة التالية
Icon