مكة، وأنزل الله ياقوتة من ياقوت الجنة، فكانت على موضع البيت الآن، فلم يزل يطوف به حتى أنزل الله الطوفان، فرفعت تلك الياقوتة حتى بعث الله إبراهيم -عليه السلام- فبناه، فذلك قوله الله تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ (الحج: ٢٦) إلى غير ذلك مما مرجعه إلى أخبار بني إسرائيل وخرافاتهم.
ولم يصح عن ذلك خبر عن المعصوم -صلى الله عليه وسلم - ورحم الله الإمام الحافظ ابن كثير فقد بيَّن لنا منشأ معظم هذه الروايات التي هي من صُنع بني إسرائيل، ومن دسّ زنادقتهم، فقد قال ما رواه البيهقي في (الدلائل) من طرق عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بعث الله جبريل إلى آدم، فأمره ببناء البيت فبناه آدم ثم أمره بالطواف به، وقال له: أنت أول الناس، وهنا أول بيت وضع للناس ". قال العلامة الإمام ابن كثير: إن هذا من مفردات ابن لهيعة وهو ضعيف، والأشبه -والله أعلم- أن يكون موقوفًا على عبد الله بن عمرو بن العاص، ويكون من الزاملتين اللتين أصابهما يوم اليرموك، وهي قدر من الكتب أخذها على بعير كان يحمل عليه متاعه؛ لعله فاز بزاملتين بعيرين بما فيهما وما عليهما، فكان في ما نقل عليهما وأخذه يوم اليرموك بعض الكتيبات التي فيها عن أهل الكتاب من هذا الكثير، فكان هذا من كتب أهل الكتاب، فكان يحدث بما فيهما.
والعلامة ابن كثير قال في كتابه (البداية): ولم يجئ في خبر صحيح عن المعصوم أن البيت كان مبنيًّا قبل الخليل -عليه السلام - ومن تمسك في هذا بقوله: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ فليس بناهضٍ ولا ظاهر؛ لأن مراده مكانه المقدر في علم الله تعالى المقرر في قدرته، المعظم عند الأنبياء موضعه من آدم إلى زمان إبراهيم -عليه السلام.
ورغم هذا أقول: إن كثيرًا من كُتَّاب التاريخ ذكروا أن الكعبة بُنيت عشر مرات، حتى نسجوا في ذلك أبياتٍ من الشعر: