والرواية تقول: أنهما كسرَا نيريهما، وقطعا حبالهما، ووضعَا التابوت في أرض فيها حصاد بني إسرائيل، ورجعا إلى أرضهما فلم يرع بني إسرائيل أي: ويلفت أنظارهما إلا التابوت، فكبروا، وحمدوا الله تعالى، فذلك قوله تعالى: ﴿تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَة﴾ أي: تسوقه. وكل هذا من أخبار بني إسرائيل، الذين غيروا وحرفوا وبدلوا، فالله أعلم بصحتها، وأقرب هذه الأقوال من الصحة، وما يدل عليه القرآن هو ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
وكذلك اختلفوا في تعيين البقية مما ترك آل موسى وآل هارون، يعني: كل جزئية مما يتعلق بالتابوت فيها أخبار واختلافات وتناقضات، اختلفوا في تعيين قوله تعالى: ﴿وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ ما هذه البقية؟ والمراد بآل موسى وآله هارون هما ذاتهما، وهذا أمر معهود في لغة العرب، فالحديث الشريف: ((لقد أُعطي مزمارًا من مزامير آل داود)) أي: صوتًا حسنًا، ولم يكن في آل داود حسن الصوت أحد إلا هو، فالمراد بآل داود هو داودُ نفسُه، فعندما نقول: ﴿مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ يعني: موسى وهارون، وكانت هذه الأشياء محفوظةً في التابوت، فعن عبد الله بن عباس قال: "عصاه ورضاض الألواح" أي: البقية هذه كانت عصى موسى، والرضاض: الألواح، الرضاض هو الفتات الذي ينفصل من احتكاك لوحين وما يتهشم منهما، قال ابن عباس: "هذه هي البقية الباقية مما ترك آل موسى وآل هارون". لأن الألواح لما انكسرت عندما ألقاها موسى -عليه السلام- حين عاد ووجدهم يعبدون العجل بقيت منه هذه الآثار.
وكذا قال قتادة والسدي والربيع بن أنس وعكرمة، وبعضهم قال: والتوراة، قال أبو صالح: الآثار هذه عصى موسى وعصى هارون، ولوحين من التوراة، وقفيذ من المن، القفيذ: قدر من الكيل من المن الذي كان ينزل على بني إسرائيل