وقال الإمام ال ألوسي بعد ذكر ما ذكرناه: وضعف هذه الحكاية واضح، وقد ضعفها ابن الخازن، وأنا لا أراها شيئًا، وأظنك لا تجد لها سند ًا يعول عليه، ولو ابتغيت نفقًا في الأرض أو سلمًا في السماء.
نختم هذه القصة بالتفسير الصحيح للآية، وما ورد فيها، والآية ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ يروي لنا الشيخ أبو شهب ة نقلًا عن التفاسير يقول: والذي يترجح عندي أن المراد بهم أناس من قوم موسى -عليه السلام- اهتدوا إلى الحق، ودعوا الناس إليه، وفي وبالحق يعدلون فيما يعرض لهم من الأحكام والقضايا، وأن هؤلاء الناس وُجدوا في عهد موسى وبعده، بل وفي عهد نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أمثال عبد الله بن سلام وأضرابه.
وقد بيَّن الله -تبارك وتعالى- إن اليهود وإن كانت الكثرة الكاثرة فيهم تجحد الحق وتنكره، وتجور في الأحكام، وتعادي الأنبياء، وتقتل بعضهم، وتكذب البعض الآخر، وفيهم من شكاسة الأخلاق والطباع ما فيهم، فهنالك أمة كثيرة منهم يهدون بالحق وبه يعدلون، فهم لا يتأبون عن الحق، ففيه شهادة وتزكية لهؤلاء، وتعريض بالكثرة الغالبة منهم التي ليست كذلك، والتي جحدت نبوة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فيمن جحدها من طوائف البشر، وناصبته العداوة والبغضاء، وهو ما يُشعر به قوله - سبحانه - قبلُ ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (الأعراف: ١٥٨).
وبذلك تظهر المناسبة بين هذه الآية والتي قبلها مباشرة والآيات التي قبل ذلك.