غير ذلك من المرويات المكذوبة يقينًا والإسرائيليات الباطلة التي خرجها بعض المفسرين الذين كان منهجهم ذكر المرويات، وجمع أكبر قدر منها سواء منها ما صح وما لا يصح، والإخباريون الذين لا تحقيق عندهم للمرويات، وليس أدل على ذلك من أنها لم يخرجها أحدٌ من أهل الكتب الصحيحة، ولا أصحاب الكتب المعتمدة الذين يرجع إليهم في مثل هذا.
يقول شيخنا دكتور محمد أبو شهبة: وقد فات هؤلاء الدساسين الكذابين أن قوله -تعالى-: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ ليس من مقالة سيدنا يوسف -عليه السلام- وإنما هو من مقالة امرأة العزيز وهو ما يتفق وسياق الآية؛ ذلك أن العزيز لما أرسل رسوله إلى يوسف لإحضاره من السجن قال له: ﴿قَالَ ارْجِعْ إلى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ (يوسف: ٥٠) فأحضر النّسوة وسألهن، وشهدن ببراءة يوسف فلم تجد امرأة العزيز بدًّا من الاعتراف فقالت: ﴿الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ (يوسف: ٥١ - ٥٣).
فكل ذلك من قولها، ولم يكن يوسف حاضرًا ثَمّ -أي: هناك- بل كان في السجن؛ فكيف يعقل أن يصدر منه ذلك في مجلس التحقيق الذي عقده العزيز.
وقد انتصر لهذا الرأي الذي يتلاءم مع السياق والسباق شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية، وألف في ذلك تصنيفًا مستقلا على حده.
قال الإمام الحافظ المفسر ابن كثير في تفسيره: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ تقول إنما اعترفت بهذا على نفسها، أو إنما اعترفت بهذا علي نفسي؛ ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب في نفس الأمر، ولا وقع المحظور الأكبر، وإنما راودت هذا الشاب مراودة فامتنع؛ فلهذا اعترفت ليعلم أني برئيه ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ تقول المرأة: ولست أبرئ نفسي؛ فإن النفس