وفي الحديث الصحيح عن النبي -صلي الله عليه وسلم-: ((أشد الناس بلاء الأنبياء، فالأمثل فالأمثل))، وقد روى أبن جرير هاهنا حديثًا مرفوعًا؛ فقال: حَدّثنا ابن وكيع قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن إبراهيم ابن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعًا، قال: قال النبي -صلي الله عليه وسلم-: "لو لم يقل -يعني: يوسف- الكلمة التي قالها ما لبث في السجن طول ما لبث؛ حيث يبتغي الفرج من عند غير الله" ولو أن هذا الحديث كان صحيحًا أو حسنًا؛ لكان للمتمسكين بمثل هذه الإسرائيليات التي أظهرت سيدنا يوسف بمظهر الرجل المذنب المدان وجهة؛ ولكن الحديث شديد الضعف، كما قال علماؤنا: لا يجوز الاحتجاج به أبدًا، وهذا قول شيخنا الدكتور محمد أبي شهبة.
قال الإمام الحافظ الناقد ابن كثير: وهذا الحديث ضعيف جدًّ؛ أي لا يحتج به، لا في الأحكام ولا في الفضائل؛ فما بالك في مثل هذا؛ لأن سيفان بن وكيع الراوي عنه ابن جرير ضعيف، وإبراهيم بن يزيد أضعف منه أيضًا، وقد روى عن الحسن وقتادة مرسلً؛ روي الحديث مرسلًا عن كل منهما، وهذه المرسلات هاهنا لا تقبل، لو قبل المرسل من حيث هو في غير هذا الموطن، والله أعلم، طبعًا لا يحتج به.
وقد تكلف بعض المفسرين بالإجابة عما يدل عليه هذا الحديث وحاله كما سمعت، بل تكلف بعضهم؛ فجعل الضمير فيه ﴿فَأَنْسَاهُ﴾، جعل الضمير ليوسف وهو غير صحيح، والذي يجب أن نعتقده أن يوسف -عليه السلام- مكث في السجن كما قال الله -تعالى- بضع سنين، وكلمه البضع من الثلاث إلى التسع أو إلى العشرة بغير تحديد بالمدة؛ فجائز أن تكون سبعة، وجائز أن تكون تسعًا، وجائز أن تكون خمسًا، ما دام ليس هناك نقل صحيح عن المعصوم -صلى الله عليه وسلم- وكذلك