﴿قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا﴾ (المائدة: ١١٣) بدءوا بالغذاء المادي، ثم ثنوا بالغذاء الروحي، فقالوا: ﴿وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا﴾ (المائدة: ١١٣) وهو مثل قول الخليل إبراهيم -عليه السلام-: ﴿وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ (البقرة: ٢٦٠).
بقية الآية: ﴿وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا﴾ (المائدة: ١١٣)؛ أي نزداد علمًا ويقينًا بصدقك وحقيقة رسالتك ﴿وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِين﴾ (المائدة: ١١٣)؛ أي: المقرين المعترفين لله بالوحدانية ولك بالنبوة والرسالة، أو نكون عليها من الشاهدين عليها لمن لم يرها ويعاينها.
﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا﴾ (المائدة: ١١٤) العيد: يوم الفرح والسرور، ﴿لِأَوَّلِنَا﴾: لأول أمتنا، ﴿وَآَخِرِنَا﴾: آخر أمتنا أو لنا ولمن بعدنا، ﴿وَآيَةً مِّنكَ﴾؛ أي: دليلًا وحجة على قدرتك على كل شيء، وعلى إجابتك لدعوتي؛ فيصدقوني فيما أبلغه عنك. ﴿وَارْزُقْنَا﴾ أي: من عندك رزقًا هنيئًا لا كلفة فيه ولا تعب، ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ وأنت خير من أعطى ورزق؛ لأنك الغني الحميد.
﴿قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ (المائدة: ١٥)؛ أي: يُكذِّب بها من أمتك يا عيسى وعاندها؛ فإني أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من عالم زمانكم، وهذا على سبيل الوعيد لهم والتهديد، وليس في الآية ما يدل على أنهم كفروا، ولا على أن غيرهم قد كفر بها، ولا على أنهم استعفوا من نزول المائدة؛ وإنما الذي دعا بعض المفسرين إلى هذه الأقوال ما سمعتَ من الروايات الإسرائيلية وما ذكرناه، وها نحن -والحمد لله- فسرنا الآيات تفسيرًا صحيحًا من غير حاجة إلى ما روي ونقل من الإسرائيليات؛


الصفحة التالية
Icon