والكلام في هذا لشيخنا الدكتور محمد أبو شهبة، يقول: إن الإمام الألوسي قد انخدع بهذه المرويات فقال: وهذه الآية عندي من المشكلات، وللعلماء فيها كلام طويل ونزاع عريض، وما ذكرناه هو الذي يشير إليه الجبائي وهو مما لا بأس به بعد إغضاء العين عن مخالفته للمرويات.
ثم قال: وقد يقال: أخرج ابن جرير عن الحبر أن الآية نزلت في تسمية آدم وحواء ولديهما بعبد الحارث، ومثل ذلك لا يكاد يقال من قبيل الرأي، وهو ظاهر في كون الخبر تفسيرًا للآية، وأنت قد علمت أنه إذا صح الحديث فهو مذهبي، وأراه قد صح، ولذلك أحجم كُميت قلمي عن الجري في ميدان التأويل؛ كلمة كميت قالوا: إنها من الخيل والإبل وهي أنواع جيدة، يحجم قلمه عن الجري في ميدان التأويل كما جرى غيره، والله تعالى الموفق للصواب.
وبعض المفسرين أعرض عن ذكر هذه المرويات، وذلك كما فعل صاحب (الكشاف) وتابعه النسفي، وبعض المفسرين عرض لها ثم بين عدم ارتضائه لها؛ وذلك كما صنع الإمام القرطبي في (تفسيره) فقال: ونحو هذا مذكور في ضعيف الحديث في الترمذي وغيره، وفي الإسرائيليات كثير ليس لها إثبات؛ فلا يعول عليها، ولا يعول عليها من له قلب؛ فإن آدم وحواء وإن غرهما بالله الغرور؛ فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، على أنه قد سطر وكتب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " خدعهما مرتين: خدعهما في الجنة، وخدعهما في الأرض".
فارس هذه الحلبة هو الإمام ابن كثير؛ فقد نقد المرويات نقدًا علميًّا أصيلًا على مناهج المحدثين وطريقتهم في نقد الرواة، وبيَّن أصل هذه المرويات وأن مرجعها إلى الإسرائيليات؛ وإنا لنعجب كيف أن الإمام ال ألوسي وهو المتأخر لم يشِر إلى كلامه؟ لعله لم يطلع عليه.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon