وقيل: إنَّ الذي صنعه داود أنه خطب على خطبة "أوريا" فآثره أهلها عليه، وقد كانت الخطبة على الخطبة حرامًا في شريعتهم، كما هي حرام في شريعتنا، وقيل: إنه طلب من زوجها "أوريا" أن ينزل له عنها، وقد كان هذا في شريعتهم ومستساغًا عندهم، وقيل: إنه أوخذ بأنه حكم بمجرد سماعه لكلام أحد الخصمين كما نرى، جاء له الأول وقال: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً﴾ (ص: ٢٣)، وقال: إنه له نعجة واحدة، فحكم له داود - عليه السلام - دون أن يسمع حجة الآخر، وهذا الرأي موجود، وقد قيل: إنه أوخذ؛ لأنه حكم بمجرد سماعه لكلام أحد الخصمين، وكان عليه أن يسمع كلام الخصم الآخر.
وقد قيل: إذا جاءك أحد الخصمين وقد فقئت عينه، فلا تحكم له؛ لجواز أن يكون خصمه قد فقئت عيناه معًا، وهذه الأقوال الثلاثة ونحوها، لا يطمأن إليها بعض المفسرين، يقول شيخنا الشيخ أبو شهبة: لست منها على ثلج - يعني لا تبرد القلب ولا يطمئن إليها - فإنَّها وإن كانت لا تخل بالعصمة، لكنها تخدشها، ثم هي لا تليق بالصفوة المختارة من الخلق وهم الأنبياء.
فالوجه الجدير بالقبول في تفسير الآيات هو الرأي الأول، ومفاده أنَّ الخصمين جاءا فجأة، ت س ورا عليه المحراب، فارتاع منهما وفزع، وظن بهما سوءًا، ظن أنهما جاءا ليقتلاه أو يبغيا شرًّا، ولكن تبين أنَّ الأمر على خلاف ما ظنَّ وأنهما خصمان جاءا يحتكمان إليه في أمر خاص، فلما قضى بينهما وتبين له براءتهما مما ظنه بهما استغفر ربه، وخر ساجدًا لله - سبحانه وتعالى.
فهذا الرأي الذي ارتضاه كثير من المفسرين، ف إن شاء الله يبقى هو الرأي الراجح، وفي هذا المقام اتضحت الأمور في قضية الخصمين مع نبي الله داود - عليه السلام.
ولننتقل الآن إلى القصة التي ذكرت في سورة " البقرة " في قصة قتل داود لجالوت؛ وورد فيها أيضًا من الإسرائيليات الكثير والكثير وتناقل المفسرون كابن جرير