نتساءل الآن ما الرأي الصحيح في قوله تعالى: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾، نقول: الأسلم تفويض علم ذلك إلى الله تعالى، وقد قال البخاري: ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس، أن إلياس هو إدريس واستأنسوا في ذلك بما جاء في حديث الزهري، عن أنس في الإسراء، أنه لما مر به -عليه السلام- قال: ((مرحبًا بالأخ الصالح))، ولم يقل كما قال آدم وإبراهيم: مرحبًا بالنبي الصالح، والابن الصالح، فلو كان في عمود نسبه، لقال له كما قالاه له، وقال الحافظ ابن كثير بعد أن نقل ذلك: وهذا لا يدل، ولا بد؛ لأنه قد لا يكون الراوي حفظ جيدًا، أو لعله قاله له على سبيل الهضم والتواضع، ولم ينتسب له في مقام الأبوة كما انتسب لآدم أبي البشر، وإبراهيم الذي هو خليل الرحمن وأكبر أولي العزم بعد محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
مما تقدم يبدو واضحًا أن ما ذكره أبو السعود، والمفسرون الآخرون في سبب رفع إدريس -عليه السلام- أن هذا من الإسرائيليات التي لا حاجة لنا بها ومن التزايدات التي لا أصل لها، وفي الكتاب الكريم والسنة الصحيحة غنية عن الغرائب، والآراء الاجتهادية، ويكفينا في هذا المقام، أن نعتقد أن الله - سبحانه وتعالى - كرم إدريس، ورفعه مكانًا عليًّا؛ سواء كانت الرفعة في الدرجة أم في المكان؛ يعني معنويًا أو حسيًّا، الآية صرحت بهذه الدرجة، ولم تفصح لنا عن كنهها وكيفيتها إلى آخر الكلام، فيجب الإيمان بها كما يجب الوقوف عند القدر الذي أخبر الله به دون تفصيل ما لم يرد به نص قرآني صريح، أو خبر متواتر عن المعصوم - ﷺ - ولا يجوز لنا الأخذ بالظن في عقيدة مثل هذه، وحينئذٍ نأخذ بما قام عليه الدليل القاطع، لا بما يحكيه القصاصون والإسرائيليون.
هذا باختصار ما تناقله أكثر المفسرين في شأن إدريس -عليه السلام.


الصفحة التالية
Icon