المدينة بالخمسة، فقال: لا أهلك إن وجدت هناك خمسة وأربعين. الكلام الذي نقله المفسرون نقلًا عن التوراة، وهو كلام متناقض؛ خمسين أربعين ثلاثين عشرين؛ إلى أن قال: لا أهلك من أجل العشرين، فقال: لا يسخط المولى؛ فأتكلم هذه المرة، فقال: عسى أن يوجد هناك عشرة؛ فقال: لا أهلك من أجل العشرة.
من هذا يتضح أن هذه المجادلات منقولة نص ًّا عن التوراة، وما أكثر التحريف والتناقض والأباطيل التي فيها.
وحاصل المسألة: أن القرآن الكريم لم يبين ما جادل به إبراهيم والملائكة في قوم لوط، ولكن القرآن أشار إليه في سورة " العنكبوت " بقوله: ﴿قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِين * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِين﴾ (العنكبوت: ٣١، ٣٢).
فحاصل جداله لهم: أنه يقول: إن أهلكتم القرية وفيها أحد من المؤمنين أهلكتم ذلك المؤمن بغير ذنب، فأجابوه عن هذا بقولهم: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا﴾ الآية. ومنه يفهم أن المجادلة كانت تعني شخص نبي الله لوط -عليه الصلاة والسلام- والله تعالى أعلى وأعلم.
أما ما ذكره أبو السعود: من أن العذاب لم ينزل بهؤلاء القوم حتى شهد عليهم لوطٌ -عليه السلام- أربع شهادات بأنهم شرُّ قومٍ عملًا؛ فذلك أمر يثير الدهشة والتساؤل، من كان هناك فشاهد هذه الأحداث؛ ليشهد عليها الآن، وهب أن لوطًا -عليه السلام- لم يدل ِ بشهادته -كما هو الزعم أنه شهد- فهل كان الرسل الذين أرسلهم الله لإهلاك الغابرين يعودون إلى حيث أتوا دون أن يقوموا بما كُلفوا به، وهم الذين قالوا لإبراهيم: ﴿إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِين﴾


الصفحة التالية
Icon