وسأل الحاكم محمد بن حاتم الكيني عن مولده لما حدث عن عبد بن حميد، فقال: سنة ستين ومائتين، فقال: هذا سمع من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة، هذا كلام (تدريب الراوي) على ما في هذه العبارات من أخطاء.
ولهذا فقد اهتم المحدثون بمعرفة وفيات الرواة ومواليدهم، ومقدار أعمارهم، وهو فن عظيم يعرف به اتصال السند وانقطاعه، ويعرف به كذلك الكذابون والمدلسون، قال سفيان الثوري: لما استعمَلَ الرواةُ الكذبَ؛ استعملنا لهم التاريخ.
ننتقل إلى علامات الوضع المتعلقة بمتن الحديث؛ أي: إلى الكلام نفسه؛ فمن علامات الوضع التي ترجع إلى الكلام نفسه: أن يكون الحديث مخالفًا للقرآن الكريم؛ مثال ذلك حديث: "إذا روي عني حديث فعرضوه على كتاب الله، فإذا وافقه فاقبلوه، وإن خالفه فردوه".
قال عنه الإمام الشوكاني: قال الخطابي: وضعته الزنادقة، ويدفعه حديث ((أوتيت الكتاب ومثله مع)) كذا قال الصنعاني: قلت: وقد سبقهما إلى نسبة وضعِهِ إلى الزنادقة الإمام يحيى بن معين، كما حكاه عنه الذهبي على أن في هذا الحديث الموضوع نفسه ما يدل على رده؛ لأنا إذا عرضناه على كتاب الله -عز وجل- خالفه؛ ففي كتاب الله -عز وجل- قوله: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ (الحشر: ٧).
فإن قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل بنص القرآن: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾ (آل عمران: ٣١) وهذه الآية: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ فكل ما يأتي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويصح نقله عنه يقبل، ولن نجد فيه مخالفةً لما في كتاب الله؛ لأن مصدرَ الوحي واحدٌ، والله -جل جلاله- يقول: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ (النجم: ٢ - ٤).