صحيح، ذكروا عن سعيد بن جبير قال: قرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى﴾ فلما بلغ: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْآخرى﴾ ألقى الشيطان على لسانه "تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى" فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم، فسجدوا وسجد"، فنزلت الآيات.
وأخرجه البزار وابن مردويه بوجهٍ آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فيما نحسبه وقال: لا يروى إلا متصلًا بهذا الإسناد، وبعد أن ذكر له طرقًا كثيرة، قال: وكلها إما ضعيفة وإما منقطعةٌ سوى طريق سعيد بن جبير الأولى، وهذا الطريق وطريقان آخران مرسلان عند ابن جرير هم معتمدُ المصححين للقصة كابن حجر والسيوطي.
والحق يقال: إن هذه القصة غيرُ ثابتة لا من جهة النقل، ولا من جهة العقل والنظر؛ أما من جهة النقل: فقد طعن فيها كثير من المحققين والمحدثين، قال الإمام البيهقي -وهو من كبار رجال السنة-: هذه القصة غير ثابتة من جهةِ النقلِ، وقال القاضي عياض في كتابه (الشفا): إن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون، والمولعون بكل غريبٍ، المتلقفون من الصحف كل صحيحٍ وسقيم، ومن حُكِيَت عنهم هذه المقالة من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة وواهية.
وإذا ما أردنا أن نتابع أقوال العلماء النقاد؛ فيقول أبو بكر البزار: هذا الحديث لا نعرفه يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بإسناد متصل، وإنما يعرف عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وأحاديث الكلبي مما لا يجوز الرواية عنه ولا ذكره لقوة ضعفه وكذبه.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والله أعلم.