ثم تذكر أن تفسير القرآن قد ورد عن كثير من خيار التابعين؛ سعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعكرمة، وقتادة، والحسن البصري، وعطاء، ومسروق، والشعبي وغيرهم؛ مما يدل على أن من امتنع منهم من تفسير القرآن إنما كان زيادة احتياط، ومبالغةً في تورعهم.
بعد ذلك نقول: التفسير بالرأي والاجتهاد، هل هو يترجح جوازه؟ نقول: نعم، وإذا كانت الأدلة التي استند إليها المانعون لم تنهض أمام البحث والنظر، فقد تبين جوازُ التفسير بالرأي إذا كان مستكملًا للشروط.
مما يجب أن ننتبه إليه أن التفسير بالرأي ليس من قبيل الدخيل في التفسير؛ فإن التفسير بالرأي والاجتهاد الذي توفرت لصاحبه أسبابه؛ وهي العلم بالعلوم، والعلم بالأحكام الشرعية، وفروع اللغة العربية هذا جائز، وهذا واضح.
وأيضًا لو لم نفسر القرآن بالاجتهاد؛ لفات معني التدبر والتأمل في القرآن، الذي حثنا الله عليه في غير آية، ولفات الكثير مما اشتمل عليه الكتاب الكريم من الأحكام والآداب، وليس من شك في أن الصحيح الثابت المروي في تفسير القرآن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قليل بالنسبة إلى ما لم يروَ عنه فيه شيء، وكذلك ما روي عن الصحابة والتابعين لم يستوعب كل آيات القرآن الكريم هذا ما فيه من بعض الضعيف الموضوع والإسرائيليات.
وبعد ذلك نستطيع أن نقول: لا بد من البدء في تفسير القرآن الكريم بالرأي والاجتهاد، والأدلة في ذلك كثيرة ولو أننا وقفنا عند قول الله -جل وعلا-: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ (النساء: ٨٣) وإلي قوله: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ (محمد: ٢٤) والآيات التي تذم كاتم العلم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ (البقرة: ١٥٩).