الفاسق لا يجوز أن يكون ممن ابيضت وجوههم، فوجب أن يكون ممن اسودت وجوههم، ووجب أن يسمى كافرًا؛ لقوله تعالى ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾.
في قوله تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ (الحجر: ٤٢) قالوا: إن الغاوي الشيطان يكون مشركًا بدليل قوله تعالى في سورة النحل: ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ (النحل: ١٠٠) وهكذا يأتي تفاسير الخوارج بكفر مرتكب الكبائر، مع أن النصوص الشرعية تبين أن مرتكب الكبائر ليس بكافر، وأن أمره مفوض إلى مشيئة الله، إن شاء عفا عنه بفضله، وإن شاء عذبه بعدله، وأن هذا العذاب لن يكون على سبيل التخليد، وحديث الشفاعة مشهور وهو في (الصحيحين): ((ادخرت دعوتي شفاعةً لأهل الكبائر من أمتي)).
وفي سورة الحجرات أيضًا يصف الله المتقاتلين بالإيمان، ولا يرفعه عنهم فيقول ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ (الحجرات: ٩) فجعل الطائفتين من المؤمنين، ولما أرسل حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بقدوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في فتح مكة أنزل الله سورة الممتحنة، وفي صدرها يخاطبه الله -جل وعلا- بصفة الإيمان فيقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءِ﴾ (الممتحنة: ١) ولما أراد عمر بن الخطاب أن يقتله؛ بحجة أنه منافق دافعَ عن نفسه أمام رسول الله، بأنه فعل ما فعل ليس نفاقًا منه ولا تكذيبًا، إنما أراد أن يكون له عند قريش يدٌ يحمون بها قرابته التي تعيش في مكة، لو أن أصحاب رسول الله أرادوا بهم سوءً حين فتحِ مكة، فصدقه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: ((لعل الله اطَّلَعَ على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم)) والحديث في (الصحيحين).


الصفحة التالية
Icon