والتابعين العلم عنه. قال الإمام البخاري -فيما ذكر ابن حجر في (الإصابة) -: روى عنه الثمانمائة من أهل العلم، وكان أحفظ مَن روى الحديث في عصره عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أما ما كان يسمعه أبو هريرة من كعب الأحبار، فإن ذلك لا يطعن في أبي هريرة، ولا يدل على سَذاجته؛ لأن أبا هريرة والصحابة كانت لهم مقاييس خاصة ومعايير صحيحة في كل ما يسمعونه، كما روينا عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهم- ومن هذا أنهم كانوا يُعْمِلون عقولَهم فيما يسمعون وفيما ينقلون عن غيرهم.
أما الروايات التي تروي أن أبا هريرة، أو تنسب إليه، فإنها تعامل كروايات غيره، توضع على قواعد القبول والرد، فما كان صحيحًا قُبِلَ، وما كان ضعيفًا فلا بأس برده.
عبد الله بن عمرو بن العاص: ذلك الصحابي الجليل، أثنى عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: ((نعم أهل البيت: عبد الله، وأبو عبد الله، وأم عبد الله)) هذا وارد في كتاب (تهذيب التهذيب) أسلم قبل أبيه، وكان عالمًا فاضلًا قرأ القرآن والكتب السابقة، واستأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- في أن يكتبَ عنه، فأذن له، فقال: "يا رسول الله: أكتب ما أسمع في الرضا والغضب؟ قال -عليه الصلاة والسلام-: ((نعم، فإني لا أقول إلا حقًّا)) ".
كانت لعبد الله بن عمرو هذه المكانة السامية، ولما كانت له هذه المكانة وجدنا كثيرًا من الروايات الإسرائيلية تُنسب إليه؛ حتى تأخذ مكانتها من الذيوع والشهرة، رغم اشتمالها على الغَث والسمين والصحيح والباطل، فوجدنا من يطعن فيه ويعتبره مخدوعًا من مسلمة أهل الكتاب ككعب الأحبار.


الصفحة التالية
Icon