﴿مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ﴾، ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ أي: اتبعوا ما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت.
عن هاروت وماروت، هم علمان من الملائكة، أنزل عليهما علم السحر؛ ابتلاءً من الله للناس، من تعلمه منهم وعمل به كان كافرًا إن كان فيه رد ما لزم فيه شرط الإيمان، إلى آخره.
ثم قالت الآية: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ﴾ أي: وما يعلم الملاكان أحدًا حتى يقولا له وينصحاه بقولهم: إنما نحن فتنة، نزلنا ابتلاء واختبارًا للخلق من الله، فلا تكفر بتعلم السحر والعمل به على وجه يكون كفرًا، فتعليم السحر كان هذا فتنةً واختبارًا لهؤلاء الناس، كان الناس يتعلمون السحر من الملكين، وهذا السحر له أثر كانوا يفرقون به بين المرء وزوجه أي: في علم السحر الذي يكون سببًا في التفريق بين الزوجين، وهذا لا يحدث إلا بقضاء الله وقدره بأن يحدث عنده خلاف زوجي أو نشوذ أو ضرر، وهذا ابتلاء من الله -سبحانه وتعالى.
﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ﴾ أي: بالسحر. ﴿مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ بعلمه ومشيئته.
هذا هو التفسير الصحيح، هاروت وماروت ملكَان، أُنزلَا من السماء لبيان أن سليمان لا يتعامل بالسحر، وإنما نزَل الملكان بالسحر ليعلمَا الناسَ أن سليمان له معجزات وأنه إنما سخر الجن وعالم الريح والطير والحيوان وغيرَ ذلك معجزةً، ولم يكن هذا بتأثير السحر.
كما قال بعض العلماء: إن تعليم الملكين للناس لهذا السحر كان أيضًا للعلاج والتخلص به مما وقع من السحرة والشياطين في إيذاء الناس، فكأن التعليم لاختبار الناس، ولبيان الفرق بين السحر والمعجزة، وأن سليمان إنما يتعامل بالمعجزات من ربه، وليس بالسحر، كما أن هذا العلم يستفيد منه الناس في دفع الأذى ودرأ المفاسد، والتخلص من ضرره.