قال الثعالبي في تفسيره: قال عياض: وأما ما ذكره أهل الأخبار، ونقله المفسرون في قصة هاروت وماروت، وما روي عن علي وابن عباس -رضي الله عنهما- في خبرها وابتلائها، فاعلم -أكرمك الله- أن هذه الأخبار لم يرد منها سقيم -أي: ضعيف- ولا صحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس هو بشيء يؤخذ بقياس، والذي منه في القرآن اختلف فيه المفسرون، وأنكر ما قال بعضهم فيه كثير من السلف، وهذه الأخبار من كتب اليهود وافتراءاتهم، كما نصه الله في الآية: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾.
قال الإمام الفخر الرازي بعدما ذكر القصة بروايتها: واعلم أن هذه الرواية فاسدة، مردودة غير مقبولة؛ لأنه ليس في كتاب الله ما يدل على ذلك، بل فيه ما يبطلها من وجوه:
الأول: الدلائل الدالة على عصمة الملائكة، فالله يقول في صفة الملائكة: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (النحل: ٥٠) هذه الآية تتناول جميعَ الملائكة في فعل جميع المأمورات، وترك جميع المنهيات؛ لأن كل من نهى عن فعل فقد أمر بتركه، فهل ما وصف به هاروت وماروت في هذه الرواية الباطلة يعد من قبيل الخوف من الله وامتثال أمره؟
ثانيًا: قال تعالى في وصف الملائكة: ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ (الأنبياء: ٢٦، ٢٧).
ثالثًا: قال في شأنهم: ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ (الأنبياء: ٢٠) وما كانت صفته كذلك لا يصدر عنه الذنب، وقوله تعالى: ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا﴾ (فاطر: ١) فهم رسل الله، والرسل معصومون عن كل نقص وعيب، لا يليق بهم لقوله في تعظيمهم: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾ (الحج: ٧٥).


الصفحة التالية
Icon