وعندها اضطر لأن يستبدل النقط السابق، الذي كان علامة الإعراب، بعلامات أخرى، حتى لا تلتبس الكلمات، فكان الشكل المعروف الآن والمتداول، والذي جعل علامات الإعراب الفتحة والكسرة والضمة والسكون.
٣ - تحسينات متعددة ومتلاحقة: إن تحسين الرسم القرآني أخذ يتدرج في أطوار متلاحقة، لا يمكن ضبط كل منها بتاريخ دقيق، أو نسبته إلى شخص معين، وعلى كل حال فالمتفق عليه: أن التحسين قد سار بخطوات متقاربة وسريعة، حتى قارب الكمال على أيام الخليل بن أحمد الفراهيدي، الذي وضع الهمز والتشديد والروم والإشمام. وما زالت الخطوات التحسينية مطّردة على مر الأزمان إلى يومنا هذا، ابتغاء تحقيق المزيد من ضبط رسم القرآن وتسهيل قراءته، فوضعت أسماء السور، وعدد الآيات، والرموز التي تشير إلى رءوس الآية، وعلامات الوقف، وغير ذلك «١».
٤ - التحسين في الإملاء: من خلال ما سبق تبيّن لك: أن التحسينات التي طرأت على الرسم العثماني، إنما كانت أمورا تتعلّق بكيفية أداء القرآن وتلاوته، على النهج الذي نزل به، وقرأه به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك أصحابه من بعده رضوان الله عليهم، حتى سلم القرآن من أي تحريف أو تبديل، يمكن أن يتناول لفظه أو معناه. وعليه فالتحسينات إنما تناولت الصفة الثانية من صفات الرسم العثماني، وهي كونه بدون شكل أو نقط، وما أشبه ذلك.
وأما ما يتعلّق بالصفة الأولى، وهي الإملاء الخاص بكتابة الكلمات والحروف، فهذا مما بقي على حاله، ولم يطرأ عليه أي تغيير أو تبديل أو تحسين أو تحوير، وظلّت
المصاحف تكتب على الرسم الذي كتبت به الصحف الأولى، والمصحف العثماني الإمام. وهو المتبع في طباعة المصاحف بدءا بالطبعة الأولى في البندقية سنة

(١) انظر مناهل العرفان؛ للزرقاني (١/ ٤٠٠ - ٤٠٢).


الصفحة التالية
Icon