الذي عرفوه: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفرقان: ٥] ولم يكتفوا بذلك بل مالوا إلى العناد والمكابرة، غافلين عن العاقبة التي ستكشف حالهم، وقالوا: قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الأنفال: ٣٠].
وهنا حان الوقت لتحطيم هذا العناد وكشف هذه المواربة، وأخذ القرآن يتحداهم بدعواهم نفسها: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ [الطور: ٣٣ - ٣٤] فوجهم هؤلاء أمام هذا التحدي الصارم الذي لم يتوقّعوه، وسقط في أيديهم.
ثم أخذ القرآن يبكّت عليهم دعواهم، وينوّع لهم في أشكال من التحدي:
يقرّعهم تارة ويحمّسهم أخرى، ويبالغ في تحديهم وإثبات عجزهم: فيتدرج من التحدي بالإتيان بمثل القرآن، إلى التحدي بعشر سور مثله: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [هود: ١٣ - ١٤].
ثم يتدرج فيتحدّاهم أن يأتوا بسورة واحدة مثله: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [يونس: ٣٨]. بل إن لم تكن مثله فلتكن شبيهة به، قريبة منه: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [البقرة:
٢٣]. كل ذلك مع السماح لهم أن يستعينوا بمن شاءوا وأرادوا ممن يتصورون لديهم العون، ويتوقعون منهم النصرة.
ثم يصل التحدّي غايته، ويبلغ منتهاه، ليدفعهم بالحقيقة التي لا مرية فيها،