فإنه لا يكاد يطرق السمع حتى يخلص إلى القلب، وتجد منه النفس لذة وحلاوة، لا تجدهما في غيره من الكلام، يستوي في ذلك أصحاب القلوب القاسية وذوو الأفئدة الخاشعة، فلقد سحر القرآن العرب منذ اللحظة الأولى، فآمن منهم من شرح الله صدره للإسلام، وكفر منهم من ختم الله على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة.
ولا أدل على هذا التأثير النفسي الذي يؤكد إعجاز القرآن من ذلك القول الذي كان يتواصى به المشركون، وحكاه عنهم القرآن: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت: ٢٦]. ورغم ذلك فقد كانوا ينشدون إلى بيت محمد بن عبد الله- صلوات الله وسلامه عليه- ليستمعوا لهذا القرآن الذي أخذ بمجامع قلوبهم وسحر عقولهم، ولا غرابة وهو الكلام المنزل الذي يقول الله تعالى فيه: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر: ٢١] وقال: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: ٢٣].
والأمثلة على ذلك كثيرة وكثيرة جدا، وليس غريبا عنك قول الوليد بن المغيرة فيه:
والله إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو وما يعلى. وقول عتبة بن ربيعة: إني سمعت قولا، والله ما سمعت بمثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر، ولا بالكهانة. فقال له القوم: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه. قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم «١»، وما إسلام عمر «٢» رضي الله عنه وأمثاله عنك ببعيد.
(٢) انظر قصة إسلام عمر في أسد الغابة (٤/ ٥٤) وشرح المواهب (١/ ٣١٧).