تلق مثلنا «١». وقد حصل ما وعدهم به القرآن وحاصرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وغلبهم وأجلاهم. وقوله تعالى: سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ [الفتح: ١٦] نزلت في طائفة من الأعراب تخلّفوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الجهاد، وقد دعاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقتال أهل فارس «٢».
ثانيا- سمو تشريعه وشموله:
من وجوه الإعجاز ومظاهره البارزة في القرآن ما تضمنه هذا الكتاب من التشريع العظيم الدقيق، المتعلق بشتى مرافق الحياة الخاصة والعامة، يتناولها منذ البداية حتى النهاية، لا يدع جانبا من جوانبها إلا ويضع له من الحلول والتنظيمات ما هو فريد في بابه، لم يسبق إليه شرع قبله ولا لحق به تقنين بعده، يدل على ذلك: أن هذا التشريع- كان ولا يزال- يحسب حسابه في كل مجال يبحث فيه شأن التشريع والتقنين، ويضعه علماء هذا الفن في مقدمة المصادر التي يستفاد منها ويعتمد عليها. وهذا كله رغم تباعد الزمن ومرّ الدهور على عصر صدوره، علما بأن صاحبه- الذي ينسب إليه- لم يدرس في جامعة ولم يتخرج في كلية، كما لم يعهد عنه أنه توفر على دراسة تشريع أو اجتمع بباحث، وبعض هذا آية الإعجاز فكيف إذا اجتمع؟! ويتجلى هذا المظهر من الإعجاز التشريعي في:
أ- أن القرآن يبدأ بتربية الفرد- لأنه لبنة المجتمع- ويقيم تربيته على تحرير وجدانه وتحمله التبعة، يحرر وجدانه بعقيدة التوحيد التي تخلصه من سلطان الخرافة والوهم، وتجعله يشعر بأنه مخلوق لله، يرجع إليه ويفنى كما يوجد بمشيئته: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: ٣].

(١) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٢/ ١٥٨) وعزاه للطبري والبيهقي.
(٢) انظر الدر المنثور (٧/ ٥٢٠).


الصفحة التالية
Icon