من أذى، وطاف حولهم من البلاء، ويهلك أولئك المكذبين مهما تفنّنوا في الإيذاء أو ابتكروا من ألوان الصّدّ والعناد.
وواضح أن ذكر مثل هذه القصص من شأنه أن يزيد في ثبات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على طريق الدعوة إلى الله تعالى، وفي صبره على تحمل أذى القوم، كما أنه من شأنه أن يبعث في نفسه ونفوس من اتّبعه من المؤمنين الطمأنينة والثقة بنصر الله. ولقد صرّح القرآن بهذا الغرض. ومن ذلك قوله تعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ [هود: ١٢٠].
٤ - منهج القصّة القرآنية:
قد علم- مما مرّ من الكلام عن أغراض القصّة في القرآن- أنّ الغرض الأساسي لها: هو الهداية إلى الله عزّ وجلّ، ولقد كان لخضوع القصّة القرآنية لهذا الغرض أثر بين في مادتها وطريقة عرضها، مما جعل لها منهجا خاصا بها، يقوم على أروع مظاهر الجمال الفني والإشراق البياني. ويتجلّى هذا المنهج بالمظاهر التالية:
أ- التكرار:
قد تأتي القصّة القرآنية لغرض من الأغراض التي سبق ذكرها، ولكنها- في الوقت نفسه- تنطوي بمجملها على أغراض أخرى متعدّدة، ويشتمل جانب منها- أو بعض الجوانب- على فوائد متعدّدة، وعظات جمة، وعبر متنوعة، وقد يقتضي غرض الدعوة الديني أن تعاد القصّة أو جانب منها أو أكثر، في موطن آخر، أو مواطن متعددة، لمناسبات خاصة بالعبرة التي تساق القصة- أو بعض جوانبها- من أجلها، فتكرّر القصة أو بعض الجوانب منها تلبية لهذا الغرض، ولهذا التكرار فائدة وجمال.
١ - فائدة التّكرار وتناسقه:
على أنّ الملاحظ- غالبا- أن جسم القصّة كلّه لا يكرّر إلا نادرا، وإنما يتناول التكرار بعض الحلقات فيها، ومعظمه إشارات سريعة لموضع العبرة فيها كما ذكرنا.