فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد. فقال عمر: ألا تردون عليه قوله؟ فقال ابن عباس: إن هذه الآيات أنزلت عذرا للماضين، وحجة على الباقين، لأن الله تعالى يقول:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ [المائدة: ٩٠].
قال عمر: صدقت «١».
وبيان أقوال الصحابة رضوان الله عليهم، وفهومهم للقرآن الكريم، هو ثالث طرق تفسير القرآن الكريم، ونماذجه كثيرة في تفسير كتاب الله تعالى.
٤ - وجاء بعد أيام الصحابة التابعون رضوان الله عليهم جميعا، وقد تشعّبت ديار المسلمين وبعدت أوطانهم، وفيهم العرب والعجم، وأخذ اللحن يغزو خلسة وجهرة لغة العرب وبيانهم، وحاجة المسلمين في هذا العهد أشد من حاجة الصحابة إلى معرفة أحكام القرآن الكريم وحكمه، ومراميه وأغراضه، وألفاظه وجمله، فقام بعض التابعين يفسرون من القرآن ما يحتاج إليه المسلمون: بالقرآن الكريم، ثم بالسّنة، وببيان أسباب النزول، وبيان العرب، وفهم الصحابة، وإذا احتاج الأمر فسّروه بما يوفقهم الله إليه من اجتهاد وفهم.
قال الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الطور: ٢١] قال سعيد بن جبير التابعي رحمه الله تعالى: أي ألحق الله تعالى الذرية بآبائهم في الدرجات، مع استحقاقهم دون درجات الآباء في الجنة، تكريما للآباء وفضلا منه سبحانه «٢».
(٢) وهذا الفهم استفاده مما رواه عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا في معنى هذه الآية، وانظر تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (٤/ ٢٨٥).