ومما ذكرناه تعقيبا على الأقوال الثلاثة المتأخرة يترجح القول الأول، وهو أنّ أوّل ما نزل صدر سورة (اقرأ).
٢ - آخر ما نزل:
أما آخر ما نزل من القرآن، ففيه أقوال كثيرة أصحّها وأشهرها أنّه قول الله تعالى في سورة البقرة: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة: ٢٨١]. فقد أخرج النسائي وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الآية آخر ما نزل من القرآن «١» وعاش النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد نزولها تسع ليال.
ومن الأقوال التي وردت «٢»:
أن آخر ما نزل قوله تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ وهي خاتمة سورة النساء.
أو أن آخر ما نزل هو سورة الفتح: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ.
أو أن آخر ما نزل سورة المائدة، وفيها قول الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة: ٣].
وأصح ما يجاب به عن هذه الأقوال؛ أنها أواخر نسبية: فآية الكلالة آخر ما نزل في المواريث، وأن سورة المائدة آخر ما نزل في الحلال والحرام، وقد اتفق العلماء على أن آية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ... [المائدة: ٣] نزلت يوم عرفة من حجة الوداع «٣».
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بكى لما نزلت هذه

(١) رواه النسائي في التفسير من السنن الكبرى (١١٠٥٧) و (١١٠٥٨).
(٢) وهذه الأقوال ليس فيها قول مرفوع إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وإنما هي مستندة إلى اجتهادات الصحابة. وانظرها في الإتقان (١/ ٨٦ - ٩١) طبعة دار ابن كثير الثانية ١٤١٤ هـ.
(٣) انظر الإتقان (١/ ٩١).


الصفحة التالية
Icon