يحيي بالقرآن ليله ويزيّن به صلاته. وكان جبريل يعارضه (يدارسه) إياه في كل عام مرة في رمضان، وعارضه إياه في العام الأخير مرتين.
قالت عائشة وفاطمة رضي الله عنهما: سمعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ جبريل كان يعارضني القرآن في كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي» «١».
(٢) حفظ الصحابة للقرآن:
وأما الصحابة الذين كان يتنزل الوحي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعلمهم ومشاهدتهم، فكان لهم الأسوة الحسنة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالإسراع إلى حفظ القرآن واستظهار آياته، وقد ساعدهم نزول القرآن منجّما على الحفظ كما علمت، وأن الأمة العربية قوية الذاكرة بالسجية، يساعدها على ذلك بيئة صافية بسيطة، كما أن الأميّ يحاول أن يعوّض بالحفظ ما فاته بالقراءة والكتابة.
والنصوص الواردة في كتب السير والسنن تدلّ على أن الصحابة كانوا يتنافسون في حفظ القرآن، ويحفّظونه أزواجهم وأولادهم، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يذكي فيهم روح العناية بالقرآن، فيبعث إلى القبائل من أصحابه من يعلّمهم ويقرئهم القرآن.
قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: كان الرجل إذا هاجر دفعه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى رجل منا يعلّمه القرآن «٢».
وكان يسمع لمسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضجة بتلاوة القرآن، حتى أمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يخفّضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا «٣».
وبذلك كله نستطيع أن نؤكّد أن حفّاظ القرآن من الصحابة في حياة النبي جمع غفير، ويكفي دليلا على ذلك أن الذين قتلوا في بئر معونة من الصحابة كان
(٢) مناهل العرفان؛ للزرقاني (١/ ٣١٣).
(٣) المصدر السابق (١/ ٢٣٤).