وهو جميعه بسوره وآياته وكلماته كلام الله تعالى، تكلّم به، أسمعه لرسوله جبريل عليه السّلام، فنزل به جبريل مبلّغا إيّاه كما سمعه لرسول الله محمّد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجلّ: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [النحل: ١٠٢]، وقال: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ ١٩٢ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ١٩٤ [الشّعراء: ١٩٢ - ١٩٤].
فبلّغه محمّد ﷺ كما أنزل عليه ما كتم منه حرفا، وبلّغه أصحابه للأمّة من بعده ما كتموا منه حرفا، وهو بأيدي النّاس في المصاحف مسطور، وفي قلوب الحفّاظ محفوظ، تعهّد الله تعالى بحفظه فما يقدر على تبديل شيء منه أحد حتّى يرفع من الصّدور والسّطور بإذنه تعالى.
كما قال الله عز وجلّ: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا (٨٦) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً [الإسراء: ٨٦ - ٨٧]، فدلّ على أنّ القرآن يمكن أن يرفعه الله بقدرته إن شاء.
وقد صحّ من حديثي حذيفة بن اليمان وأبي هريرة، رضي الله
عنهما، عن النّبيّ ﷺ قال: «ليسرى على كتاب الله عز وجلّ في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية» (١).
_________
(١) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة (رقم: ٤٠٤٩) والحاكم في «المستدرك» (رقم:
٨٤٦٠) من طريق أبي معاوية الضّرير، عن أبي مالك الأشجعيّ، عن ربعيّ بن حراش، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثّوب، حتّى لا يدرى ما صيام ولا صلاة، ولا نسك ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله عز وجلّ في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من النّاس: الشّيخ الكبير والعجوز، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلّا الله، فنحن نقولها».
قلت: إسناده صحيح، وقال الحاكم: «حديث صحيح على شرط مسلم»، وقال البوصيريّ في «زوائد ابن ماجة» (٣/ ٢٥٤): «هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات».
وأمّا من حديث أبي هريرة؛ فأخرجه ابن حبّان في «صحيحه» (رقم: ٦٨٥٣) من طريق عليّ بن مسهر عن سعد بن طارق (وهو أبو مالك الأشجعيّ) عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وفيه الجملة المذكورة. وإسناده صالح.
ورواه فضيل بن سليمان عن أبي مالك الأشجعيّ عن ربعيّ عن حذيفة، وعن أبي حازم عن أبي هريرة، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يسرى على كتاب الله ليلا، فيصبّح النّاس ليس في الأرض ولا جوف مسلم منه آية».
أخرجه الضّياء المقدسيّ في «اختصاص القرآن بعوده إلى الرحيم الرّحمن» (رقم:
١٧) والدّيلميّ في «مسند الفردوس» (٤/ ١٦٧/ ب- زهر) وإسناده صحيح.
فبيّنت هذه الرّواية أنّ أبا مالك حفظ الحديث عن حذيفة وأبي هريرة جميعا.
ورواه بعضهم موقوفا على حذيفة وأبي هريرة، والرّفع أصحّ، على أنّ مثل هذا لا يقال من قبل الرّأي، فله حكم الرّفع.