في هذه الوظيفة، وأنا أحيل غضب ابن مسعود على أمرين مهمّين:
أوّلهما: ما يعلمه من نفسه من العناية بالقرآن كما يدلّ عليه قوله المذكور، مع التّزكية النّبويّة له في ذلك.
فتقدّم ذكره في الحديث فيمن أمر النّبيّ ﷺ أن يؤخذ عنهم القرآن من أصحابه، وكذلك ما ثبت عن علقمة بن قيس النّخعيّ، قال:
جاء رجل إلى عمر، رضي الله عنه وهو بعرفات، فقال: جئتك من الكوفة، وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه، قال:
فغضب عمر وانتفخ حتّى كاد يملأ ما بين شعبتي الرّحل، وقال:
ويحك، من هو؟ قال: عبد الله بن مسعود، قال: فو الله ما زال يطفأ ويذهب عنه الغضب حتّى عاد إلى حاله الّتي كان عليها، ثمّ قال: والله ما أعلم من النّاس أحدا هو أحقّ بذلك منه، وسأخبركم عن ذلك، كان رسول الله ﷺ يسمر عند أبي بكر اللّيلة كذلك في الأمر من أمور المسلمين، وأنّه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه، فلمّا دخل المسجد إذا رجل قائم يصلّي، فقام رسول الله ﷺ يستمع قراءته، فما كدنا نعرف
الرّجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سرّه أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أمّ عبد» وذكر بقيّة الحديث (١).
_________
(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (رقم: ١٧٥) والنّسائيّ في «الكبرى» (رقم:
٨٢٥٧) وابن خزيمة في «صحيحه» (رقم: ١١٥٦) ويعقوب بن سفيان في «المعرفة» (٢/ ٥٣٨ - ٥٣٩) والطّحاويّ في «المشكل» (رقم: ٥٥٩٢، ٥٥٩٣) والطّبراني في «الكبير» (٩/ ٦٤، ٦٥) =


الصفحة التالية
Icon