الاعتناء بنقله وضبط تلاوته وأدائه وروايته، وبقي النّاس ينسخون المصاحف عن أصول الصّحابة، ويقرءون بأداء النّقلة المتقنين، في جميع البلدان، وهو كتاب واحد، برسم واحد، يتلى على أنواع من الأداء قد تلقّتها الأجيال عن الأجيال، لا يزيد فرد على فرد في تلاوته على ما في هذا المصحف، وتأتي عليه القرون بعد القرون لا يزال منه شيء عن موضعه، فهذه دور المخطوطات في العالم كلّه في بلاد الإسلام وغيرها فيها ما لا يحصيه إلّا الله من المصاحف الّتي كتبت في الأزمان والبلدان المختلفة، لا ترى مصحفا يختلف عن الآخر في شيء، وهذه بيوت المسلمين لا يكاد يخلو بيت من مصحف، انظر فيها مشرّقا أو مغرّبا، فلن ترى بينها اختلافا.
هذا أحد طريقي نقل القرآن، وهو هذا المصحف وحمل الأمّة له جيلا عن جيل.
أمّا إن جئت إلى قراءات القرّاء، فإنّ الأسانيد بها قد انتهت إلى الدّواوين المتواترة عن أصحابها، وهي الكتب الّتي صنّفها أئمّة القراءة في وجوه الأداء للقرآن كما تلقّوها عن أئمّته الكبار، فلمّا صار ذلك علما مضبوطا في كتب خاصّة فقد أغنى النّاس عن استمرار الإسناد إلى اليوم.
وذلك كتدوين الحديث في الكتب، فإنّه أغنى الأمّة عن الاشتغال بالإسناد بعدها، فهذا «صحيح البخاريّ» مثلا، فهو مقطوع بصحّته إليه، وإن كانت أغلب الأسانيد منه إلى النّبيّ ﷺ غير متواترة، وهذه مفارقة بينه وبين القرآن، فالقرآن بقراءات أئمّة القراءة
محفوظ إلى أولئك الأئمّة