الفصل الأول: معنى النسخ وثبوته وحكمته
المبحث الأول: معنى النسخ
المراد ب (النّسخ) في لسان العرب: الرّفع والإزالة، ومنه يقال:
(نسخ الكتاب) رفع منه إلى غيره، و (نسخت الشّمس الظّلّ) أزالته.
أمّا في استعمال أهل العلم، فقد عرّف أكثر أهل الأصول النّسخ بأنّه:
رفع حكم شرعيّ عمليّ جزئيّ ثبت بالنّصّ بحكم شرعيّ عمليّ جزئيّ ثبت بالنّصّ ورد على خلافه، متأخّر عنه في وقت تشريعه، ليس متّصلا به.
فالرّفع هو (النّسخ)، والحكم الشّرعيّ المرفوع هو (المنسوخ)، والحكم الشّرعيّ المتأخّر هو (النّاسخ).
وهذا المعنى مستفاد من دلالة اللّغة مع موافقة دلالة القرآن في استعمال هذا اللّفظ، على ما سأبيّنه.
ويمكن القول: إنّ ابتداء هذا التّعريف المستقرّ اصطلاحا للنّسخ إنّما ظهر في كلام الإمام الشّافعيّ (١)، ولم يكن مطّردا قبله وإن كان موجودا،
_________
(١) حيث قال في «الرّسالة» (فقرة: ٣٦١): «ومعنى (نسخ) ترك فرضه»، وقال (فقرة:
٣٢٨): «وليس ينسخ فرض أبدا إلّا أثبت مكانه فرض، كما نسخت قبلة بيت المقدس، فأثبت مكانها الكعبة، وكلّ منسوخ في كتاب وسنّة هكذا»، وقال (فقرة: ٦٠٨): «وإنّما يعرف النّاسخ بالآخر من الأمرين».