ودلالة هذه الآية على المقصود في قوله: ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي الآية، ففيها برهان على أنّ الله عزّ وجلّ هو الّذي يبدّل الآية بالآية، لا سبيل إلى ذلك إلّا بوحيه وتنزيله.
فهذه المواضع الأربعة في كتاب الله أدلّة على إثبات وقوع النّسخ في بعض ما أنزل الله على نبيّه صلى الله عليه وسلم، خاصّة الموضعين الأوّلين، فهما من أبين شيء وأظهره لإثبات ذلك.
وقد تظافرت الرّوايات الثّابتة من جهة النّقل على أنّ النّسخ قد وقع لبعض القرآن والأحكام المنزلة، كما سيأتي التّمثيل بطائفة منه.
وتواتر عن أصحاب النّبيّ ﷺ ذكر النّسخ والقول به.
كما ذهب إلى القول به عامّة أئمّة الإسلام من السّلف والخلف.
قال ابن الجوزيّ: «انعقد إجماع العلماء على هذا إلّا أنّه قد شذّ من لا يلتفت إليه» (١).
ولم يعرف إنكاره عن منتسب إلى العلم إلى القرن الرّابع، حين اشتدّ فشوّ البدع، وذلك بتأويل فاسد سآتي على ذكره في الشّبهات.
قال أبو جعفر النّحّاس: «من المتأخّرين من قال: ليس في كتاب الله عزّ وجلّ ناسخ ولا منسوخ، وكابر العيان، واتّبع غير سبيل المؤمنين» (٢).
_________
(١) نواسخ القرآن، لابن الجوزيّ (ص: ٨٤).
(٢) النّاسخ والمنسوخ، للنّحّاس (ص: ٤٠)، وانظر: «الفقيه والمتفقّه» للخطيب البغداديّ (١/ ٣٣٢)، و «إحكام الفصول» للباجي (ص: ٣٢٤) و «المسوّدة» لآل تيميّة (ص: ١٧٥).


الصفحة التالية
Icon