قال الشّافعيّ: «إنّ الله خلق الخلق لما سبق في علمه ممّا أراد بخلقهم وبهم، لا معقّب لحكمه وهو سريع الحساب، وأنزل عليهم الكتاب تبيانا لكلّ شيء وهدى ورحمة، وفرض فيه فرائض أثبتها، وأخرى نسخها؛ رحمة لخلقه بالتّخفيف عنهم، وبالتّوسعة عليهم، زيادة فيما ابتدأهم به من نعمه، وأثابهم على الانتهاء إلى ما أثبت عليهم جنّته والنّجاة من عذابه، فعمّتهم رحمته فيما أثبت ونسخ، فله الحمد على نعمه» (١).
وفي الجملة فإنّ حقيقة النّسخ تغيير للأحكام بتغيّر الأحوال والظّروف، وإنزال فرفع للآيات لمقتض، وذلك ممّن يعلم مصالح خلقه تبارك وتعالى، وهو على كلّ شيء قدير، كما قال: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ [النّحل: ١٠١]، وكما قال: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ
مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ١٠٧ [البقرة: ١٠٦ - ١٠٧].
ومن هذا يتبيّن فساد مذهب الغالطين على ربّهم، الجاهلين به ممّن ضلّ في أمر النّسخ، من المشركين واليهود وغلاة الرّافضة ومن شايعهم من أهل زماننا، وما شأنهم إلّا كما قال الله عن المشركين من قبل: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [النّحل: ١٠٢].
...
_________
(١) الرّسالة (ص: ١٠٦).


الصفحة التالية
Icon