وأمّا الوجه الثّاني، وهو تدبّر القرآن، فإنّ الله تعالى أمر به جميع المكلّفين، كلّا بحسب ما آتاه الله، كما سبق ذكر بعض الأدلّة فيه.
وأمّا حكم تفسير ما استأثر الله بعلمه، فهو المنع والتّحريم، لاندراجه تحت قوله تعالى: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء: ٣٦]، وقوله عز وجلّ: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ [الأعراف: ٣٢]، وسائر النّصوص المانعة من الكلام في الدّين بغير علم، كذلك أصحابه موصوفون بالزّيغ، كما تقدّم.
حكم التفسير بالرأي:
الاجتهاد من قبل أهل العلم في تفسير القرآن واجب، كما تقدّم،
والاجتهاد إظهار للرّأي في تفسير الآية، لكن شتّان ما بين مجتهد بذل غاية وسعه، وهو أهل لذلك: قد ملك الآلة، وأتى الأمر من بابه، وبين متكلّف قد صرّفته الأهواء كيف شاءت، فاستنّ بسنّة من سبق من أهل الضّلالة في التّحريف والتّبديل، أو تكلّف متعجّلا فتكلّم في القرآن دون رويّة.
فهذان صنفان، كلاهما تكلّم بالرّأي، لكنّ الأوّل محمود مأجور، والثّاني مذموم موزور.
وعلى هذا الثّاني يتنزّل ما ورد من ذمّ التّفسير بالرّأي وتحريمه؛ لأنّ هواه أو عدم تثبّته وتحرّيه يوقعه في أن يقول على الله غير الحقّ.