ولكن ما معنى الإنزال في قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة: ١٨٥]، وقوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ [الدخان: ٣]، وقوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ١ [القدر: ١]؟
فهذه آيات متوافقة فيما بينها، أنبأت بأنّ الله تعالى أنزل القرآن في ليلة مباركة من شهر رمضان هي ليلة القدر.
وهي خبر قد يدلّ ظاهره على نزول جميع القرآن في تلك اللّيلة.
فكيف التّوفيق بين هذا الظّاهر والحقيقة المقطوع بها في نزوله مفرّقا؟ من علماء السّلف من ذهب إلى أنّ ابتداء النّزول كان في ليلة القدر لا جميع القرآن، وهذا القول لا يوجد ما يردّه، وهو وجه في تفسير الآيات الثّلاث المذكورة.
لكن صحّ عن إمام المفسّرين عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- ما أفادنا أنّ للقرآن تنزّلين:
الأوّل: من اللّوح المحفوظ إلى السّماء الدّنيا، وكان جملة واحدة.
والثّاني: من السّماء الدّنيا إلى الأرض على النّبيّ ﷺ مفرّقا على الوقائع.
فعنه قال: أنزل الله القرآن إلى السّماء الدّنيا في ليلة القدر، فكان الله إذا
_________
= قلت: والقراءة بالتّشديد مذكورة عن عليّ وابن عبّاس وابن مسعود وأبيّ بن كعب، وجماعة من التّابعين، (انظر: زاد المسير لابن الجوزي ٥/ ٩٦ والمحرّر الوجيز ٩/ ٢١٥).


الصفحة التالية
Icon