وهذا لا يكون إلّا بأن تعطى الحروف حقّها ومستحقّها.
وجرى من بعض العلماء في هذا المقام الاستدلال لوجوب القراءة بالتّجويد بحديث يروى عن عبد الله بن مسعود:
أنّه كان يقرئ القرآن رجلا، فقرأ الرّجل: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ مرسلة، فقال ابن مسعود: ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كيف أقرأكها يا أبا عبد الرّحمن؟ قال: أقرأنيها إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ فمدّها.
ذكره ابن الجزريّ في (باب المدّ) واحتجّ به، ولا يثبت إسناده (١).
_________
(١) أخرجه الطّبرانيّ في «المعجم الكبير» (رقم: ٨٦٧٧) قال: حدّثنا محمّد بن عليّ الصّائغ، حدّثنا سعيد بن منصور، حدّثنا شهاب بن خراش، حدّثني موسى بن يزيد الكنديّ، قال: كان ابن مسعود، فذكره.
وأخرجه ابن الجزريّ في «النّشر» (١/ ٣١٥ - ٣١٦) من طريق الطّبرانيّ بإسناده، وفيه: (مسعود بن يزيد). وقال ابن الجزريّ: «هذا حديث جليل حجّة ونصّ في هذا الباب، رجال إسناده ثقات».
قلت: إن كان الصّواب في اسم الرّاوي عن ابن مسعود (موسى) فإنّه لا ذكر له في الكتب، وإن كان (مسعودا) فقد جاء في «الثّقات» لابن حبّان (٥/ ٤٤١):
«مسعود بن يزيد، يروي عن عمر بن الخطّاب، روى عنه محمّد بن الفضل»، وهذا توثيق ليس بمقنع، فابن حبّان لا يعتمد على توثيقه منفردا عند أئمّة النّقد، خاصّة لمن كان من هذه الطّبقة، ولم يتابع على تعديل هذا الرّجل، هذا لو سلّمنا أنّه نفسه المذكور في حديث ابن مسعود، فهذه علّة.
وله علّة أخرى، الكنديّ هذا سمع منه شهاب بن خراش هذا الحديث، وأقدم من روى عنه شهاب من الشّيوخ بعض أصحاب أنس بن مالك من صغار التّابعين كقتادة وشبهه، فلو نزّلنا الكنديّ منزلة صغار التّابعين من أصحاب أنس في القدم جزمنا بكون روايته منقطعة؛ لأنّ ابن مسعود قديم الموت، وأمّا مظنّة الانقطاع فهي حاصلة، خاصّة مع عدم ذكره السّماع في هذه الرّواية.


الصفحة التالية
Icon