صدرت عن غضب وحميّة وتعصّب لعقيدته الأشعرية، فضلا عن أنّ النصوص التي ساقها في تكذيب الأهوازي فيها نظر إذا ما حوكمت على وفق المنطق العقلي المنصف وإليك دلالات ذلك:
١ - إذا كان رشأ بن نظيف وصحبه قد قصدوا بغداد للتحقّق من روايات الأهوازي فكيف يعقل موافقتهم على دفع الإجازات وخطوط العلماء إليه- وهي وثائق خطيرة- ليأخذها بعيدا عنهم ويغيّر فيها الأسماء على هواه؟ ولماذا لم يعلنوا ذلك ويفضحوه بين العلماء فيروون مثل هذا بأنفسهم وهم أمناء على العلم وسلامته؟ وأما تعليل الراوي بأنّ عدم افتضاحه إنّما يعود إلى بركة القرآن ففيه ما فيه من التعليل الواهي السّاذج، إذ قد افتضح كثير من القراء بسبب تزويرهم ودعاواهم الباطلة كما هو معروف منتشر في كتب تراجم القرّاء.
٢ - أما الرّواية التي تشير إلى سؤالهم «بعض المقرئين» وقوله: «هذا الذي تذكرونه قد قرأ عليّ جزءا من القرآن أو نحوه» فهي مردودة لجهالة هذا الشّيخ وعدم تعيينه، فضلا عن أنّه لم ينكر القراءة عليه، بل أنكر إكمال القراءة ولو عرفناه لحكمنا بتصديقه أو ردّه.
٣ - إنّ ظاهر كلام أبي طاهر الواسطيّ- إن صحّ عنه- هو اعتراف كبير بعلم الأهوازيّ بالقراءات مع عدم تصديق لأسانيده في الرّواية، وهو يشير إلى اضطراره القراءة عليه وأخذ هذا العلم عنه لما له من منزلة متميزة على الرّغم من معرفته بعدم صحة أسانيده.
٤ - وأما رواية عليّ بن الخضر العثمانيّ فهي رواية تمريضية صدّرها الرجل بلفظة «زعموا» مما يؤكّد شكّه فيها وعدم وجود دليل يؤيدها.
ومع أنّ المصادر نقلت معظم هذه الرّوايات، لكنّها نقلت أيضا روايات بضدّها توثّق الرجل، أو تعترف بعلمه وفهمه، أو تأخذ عليه مآخذ معينة لا تضير علمه كثيرا.
فقد نقل الذهبيّ «١» وابن الجزري «٢» وابن حجر «٣» أنّ تلميذه الثّقة الشّريف النّسيب أبا القاسم عليّ بن إبراهيم الحسيني الدّمشقيّ المتوفى سنة ٥٠٨ هـ- قد قال فيه: ثقة ثقة.
ونقل ابن عساكر نفسه عن شيخه أبي الحسن عليّ ابن أحمد بن قبيس عن أبيه أبي العباس بن قبيس أنّه قال فيه: «كان عالما بالقراءات» «٤».
وتوفي الأهوازيّ وترك جملة من المؤلّفات في القراءات اشتهرت في حياته وبعد موته فتلقّفها أئمة القراء بالدّراسة والفحص والتّتبع، فكانت النتيجة: امتداح حسن تصنيفه، والثناء على علمه في هذا المجال، وهو أمر أجمع عليه أئمة القراء، قال أبو عمرو
(٢) غاية النهاية: ١/ الترجمة ١٠٠٦.
(٣) لسان الميزان: ٢/ ٢٣٨.
(٤) تبيين كذب المفتري: ٣٦٨.