وأما التعصّب العقدي، فقد كان الرّجل كما يظهر ممّن يغالون في إثبات الصّفات للبارئ عزّ وجل ويتمسّكون بظاهر النصوص تمسكا لا يقوم على فهم صحيح لأصول العقيدة الإسلامية، فصار من المتحرّقين على الإمام أبي الحسن الأشعري، إمام الأشاعرة، بحيث ألّف كتابا في ثلبه، فأقام الأشاعرة عليه الدّنيا من أجل ذلك. قال الذّهبيّ:

«وكان من غلاة السّنة صنّف كتابا في الصّفات فتكلّم فيه الأشاعرة لذلك، ولأنّه كان ينال من أبي الحسن الأشعري» «١».
من هنا نستطيع القول بأنّ النّقد الذي وجّه إلى الأهوازيّ إنّما كان ينصبّ في القراءات على أسانيده فيها وليس على المادة العلمية التي احتوتها كتبه المؤلّفة في هذا العلم. ودليلنا على ذلك أنّ أئمة هذا الشّأن قد تلقّوها عنه بالقبول كما أشار إلى ذلك الإمامان: الذّهبيّ وابن الجزري، بل إنّنا لم نجد عالما من علماء هذا الفنّ قد تكلّم في كتبه أو وجد أخطاء فاحشة مجاوزة للحدّ فيها، وإلا كانوا أشاروا إليه ونبّهوا عليه وردّوه في كتبهم، فالمهم في تقويم مثل هذا العالم هي المادة العلمية التي احتوتها كتبه، وهي مادة متقنة جمعها من المصنّفات السّابقة وعني بتنظيمها، ولم تعد الأسانيد في عصره الذي شاع فيه التّدوين وانتشر انتشارا واسعا سوى تقليد يحرص عليه الطّلبة والعلماء، لا فائدة كبيرة ترتجى منه «٢».
وتشير النصوص الكثيرة التي وقفنا عليها في تراجم القراء إلى أنّ كتب الأهوازي كانت من بين الكتب البارزة التي يعنى طلبة القراءات بدراستها وروايتها على شيوخهم طوال أعصر امتدّت إلى القرن التّاسع الهجري في الأقل مما يدلّل على أهميتها وشيوعها ومنزلتها بين الكتب التي من بابتها «٣».
(١) تاريخ الإسلام، الورقة ٤٢٩ (أياصوفيا ٣٠٠٩).
(٢) يراجع في هذا الشأن ما كتبه أستاذنا العلامة الدكتور بشار عواد معروف في مقدمته لتاريخ الخطيب ١/ ١٠٥ - ١١٠.
(٣) انظر ما كتبناه عن كتبه، وراجع غاية النهاية: ١/ الترجمة ١٦٨، ٢٥٧، ٥٨٨، ١٤١٤، ١٤٩٦ وغيرها. وقد وقع بعضها لابن الجزري بخط الأهوازي (انظر غاية النهاية: ١/ الترجمة ٢١٧٥)، وراجع مقدمة
كتابه النشر: ١/ ٣٥.


الصفحة التالية
Icon