أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
١٨٧ - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ، رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ، امْرَأَةً قَدْ زَنَى بِهَا، فَقَالَ: «لَيُرِدْهَا عَلَى الزِّنَا، فَإِنْ فَعَلَتْ فَلَا يَنْكِحْهَا، وَإِنْ أَبَتْ فَلْيَنْكِحْهَا»
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
١٨٨ - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، أَنَّ رَجُلًا خُطِبَتُ إِلَيْهِ ابْنَةٌ لَهُ -[١٠٨]- وَكَانَتْ قَدْ أَحْدَثَتْ، فَأَتَى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ مِنْهَا إِلَّا خَيْرًا، فَقَالَ: «زَوِّجْهَا وَلَا تُخْبِرْ» قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَوْلُهُ: مَا رَأَيْتُ مِنْهَا إِلَّا خَيْرًا يَعْنِي: بَعْدَ الْحَدَثِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: " وَقَدْ يُسَهِّلُ قَوْمٌ فِي نِكَاحِهَا، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا تَوْبَةٌ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ يُرْوَى مَرْفُوعًا فِي الَّذِي قَالَ لَهُ: إِنَّ امْرَأَتَهُ لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بِالِاسْتِمْتَاعِ مِنْهَا» وَتَأَوَّلُوهُ عَلَى الْبِغَاءِ، وَهَذَا -[١٠٩]- عِنْدَنَا خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِنَّمَا أَذِنَ فِي نِكَاحِ الْمُحْصَنَاتِ خَاصَّةً، ثُمَّ أَنْزَلَ فِي الْقَاذِفِ لِامْرَأَتِهِ آيَةَ اللِّعَانِ، وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا، فَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، فَكَيْفَ يَأْمُرُهُ بِالْإِقَامَةِ عَلَى عَاهِرَةٍ لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ أَرَادَهَا وَفِي حُكْمِهِ أَنْ يُلَاعَنَ بَيْنَهُمَا وَلَا يُقِرَّهُ مَعَهَا قَاذِفًا عَلَى حَالِهِ؟ هَذَا لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَنَا؛ وَمِنَ الْحُجَّةِ فِي هَذَا أَيْضًا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا،» ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ: «فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ» فَكَيْفَ يَكْرَهُ أَنْ تُوطَأَ الْأَمَةُ الْفَاجِرَةُ وَيُرَخِّصُ فِي الْإِقَامَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ وَهِيَ فَاجِرَةٌ؟، وَالَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ وَجْهَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ يَثْبُتُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ إِنَّمَا يُحَدِّثُهُ هَارُونُ بْنُ رِئَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَيُحَدِّثُهُ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، كِلَاهُمَا يُرْسِلُهُ، -[١١٠]- فَإِنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ فَإِنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّ الرَّجُلَ وَصَفَ امْرَأَتَهُ بِالْخُرْقِ وَضَعْفِ الرَّأْيِ، وَتَضْيِيعِ مَالِهِ، فَهِيَ لَا تَمْنَعُهُ مِنْ طَالِبٍ، وَلَا تَحْفَظُهُ مِنْ سَارِقٍ، هَذَا عِنْدِي مَذْهَبُ الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى الْآخَرُ مَقُولًا مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ النَّاسِ، يُرِيدُونَ بِيَدِ اللَّامِسِ الْكِنَايَةَ عَنِ الْفَرْجِ، وَالَّذِي ذَهَبْنَا نَحْنُ إِلَيْهِ مُسْتَغْنٍ عَنِ الْكِفَايَةِ، إِنَّمَا هُوَ تَضْيِيعُ الْيَدِ نَفْسِهَا وَمَعَ هَذَا أَنَّهُ أَشْبَهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَحْرَى أَنْ يُظَنَّ بِحَدِيثِهِ، كَالَّذِي قَالَ عَلِيٌّ، وَعَبْدُ اللَّهِ: إِذَا جَاءَكُمُ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أَهْدَى وَالَّذِي هُوَ أَهْنَأُ وَالَّذِي هُوَ أَتْقَى، وَقَدِ احْتَجَّ قَوْمٌ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء: ٤٣]، فَقَالُوا: أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ الْجِمَاعَ لَمْسًا، فَيُقَالُ لَهُمْ: إِنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَقُلْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ إِنَّهَا لَا تَمْنَعُ لَامِسًا، فَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ هَكَذَا مَا كَانَتْ لَكُمْ حُجَّةٌ، وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا قَالَ: يَدَ لَامِسٍ، وَلَمْ يَقُلْ: فَرْجَ لَامِسٍ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ﴾ [الأنعام: ٧]، فَهَلْ لِهَذَا مَعْنًى غَيْرُ الْيَدِ الْمَعْرُوفَةِ، فَهَذَا هُوَ -[١١١]- الشَّاهِدُ أَنَّ يَدَ اللَّامِسِ هِيَ الَّتِي تَأَوَّلْنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ وَجَدْنَا مَعَ هَذَا شَاهِدًا فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ قَالَ جَرِيرُ بْنُ الْخُطَفِيِّ يُعَاتِبُ قَوْمًا:
[البحر الطويل]
أَلَسْتُمْ لِئَامًا إِذْ تَرُومُونَ جَارَكُمْ | وَلَوْلَا هُمْ لَمْ تَدْفَعُوا كَفَّ لَامِسِ |