إلى الناس يستلزم التبليغ والتعليم، وقد قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ... (٢) [الجمعة]، وقال سبحانه: اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ (٤٥) [العنكبوت]، وقال عزّ من قائل: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (١٠٦) [الإسراء]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت معلّما» (١). فكان رسول الله ﷺ معلّم هذه الأمة الأوّل، علّمها القرآن وتلاوته، وبيّن لها الأحكام والسنن والآداب.
وكانت قراءة القرآن أول شيء يأمر به رسول الله ﷺ كلّ من يدخل في الإسلام، قال علم الدين السخاوي: «كان ﷺ إذا أسلم الرجل يأمره بقراءة القرآن قبل كل شيء» (٢). وكان يتولى تعليم أصحابه ما ينزل عليه من الوحي، ويتدارس معهم ما نزل من القرآن، ويعلّم من يدخل في الدين القرآن والفرائض، وكانت البيوت في أول عهد الدعوة أماكن للتعليم، وكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي في مكة مركزا للدعوة وتعليم الصحابة القرآن (٣).
وازدادت الحاجة إلى تعليم القرآن بانتشار الإسلام وصار رسول الله ﷺ لا يجد ما يكفي من الوقت لتعليم كل من يدخل في الدين، لا سيما أهل القرى والبوادي خارج المدينة المنورة، فكان يكل تعليم القرآن إلى عدد من أصحابه الذين تميزوا بحفظ القرآن وضبط قراءته، وكان يرسل المعلمين إلى من نأى عنه من المسلمين، فكان رسول الله ﷺ إذا دخل رجل في الإسلام قال: «فقّهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه وعلّموه القرآن» (٤). وقال عبادة بن الصامت، وكان أحد علماء الصحابة بالقرآن: «كان رسول الله ﷺ يشغل، فإذا قدم رجل مهاجر على
(٢) الوسيلة ص ١١٩.
(٣) ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب ١/ ١٣١.
(٤) تاريخ الطبري ٢/ ٤٧٤.