من قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي» (١). فكان عبد الله بن مسعود يعلّم القرآن في المسجد، قال تلميذه مسروق بن الأجدع: «كان عبد الله يقرئنا في المسجد، ثم نجلس بعده نثبت الناس» (٢). وقال ابن مجاهد: «وأما أهل الكوفة فكان الغالب على المتقدمين من أهلها قراءة عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه، لأنه الذي بعث به إليهم عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، ليعلمهم» (٣).
وكان ولاة الأمصار قد أولوا هذا الأمر اهتمامهم، فبعد فتح بلاد الشام كتب يزيد بن أبي سفيان والي الشام رسالة إلى عمر بن الخطاب جاء فيها: إن أهل الشام قد كثروا وملئوا المدائن، واحتاجوا من يعلّمهم القرآن ويفقههم، فأعنّي يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم، فدعا عمر أولئك الخمسة (معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وأبو أيوب)، فقال لهم: إن إخوانكم من أهل الشام قد استعانوني بمن يعلّمهم القرآن ويفقههم في الدين، فأعينوني، رحمكم الله، بثلاثة منكم، إن أجبتم فاستهموا، وإن انتدب ثلاثة منكم فليخرجوا، فقالوا: ما كنا لنتساهم، هذا شيخ كبير لأبي أيوب، وأما هذا فسقيم لأبي بن كعب، فخرج معاذ وعبادة وأبو الدرداء، فقال عمر: ابدءوا بحمص فإنكم ستجدون الناس على وجوه مختلفة، منهم من يلقن، فإذا رأيتم ذلك فوجّهوا إليه طائفة من الناس، فإذا رضيتم منهم فليقم بها واحد، وليخرج واحد إلى دمشق والآخر إلى فلسطين. وقدموا حمص فكانوا بها حتى إذا رضوا من الناس أقام بها عبادة، وخرج أبو الدرداء إلى دمشق ومعاذ إلى فلسطين، وأما معاذ فمات عام طاعون عمواس (سنة ١٨ هـ)، وأما عبادة فصار بعد إلى فلسطين
(٢) ابن مجاهد: كتاب السبعة ص ٦٨، وابن الجزري: غاية النهاية ١/ ٤٥٩.
(٣) كتاب السبعة ص ٦٦.