حفظ إنسان الشاطبية مثلا فليس له أن يقرئ بما فيها إن لم يشافهه من شوفه به، لأن في القراءات شيئا لا يحكم إلا بالسماع والمشافهة (١).
وكل ما سبق يؤكد على أن القراءات لم تكن نتيجة اجتهاد القراء، بل هي مروية عن الصحابة الذين تلقوا القرآن عن رسول الله ﷺ يقول ابن الجزري: «إن من يزعم أن أئمة القراءة ينقلون حروف القرآن من غير تحقيق ولا بصيرة فقد ظن بهم ما هم منه مبرءون وعنه منزهون» (٢)، وقال أيضا: «نعوذ بالله من قراءة القرآن بالرأي والتشهي، وهل يحل لمسلم القراءة بما يجد في الكتابة من غير نقل؟» (٣).
٢ - موافقة خط المصحف:
المقصود بخط المصحف هجاء الكلمات في المصاحف العثمانية، أي الحروف التي رسمت، وهو يمثل ألفاظ الوحي كما نطقها رسول الله ﷺ وأملاها على كتّاب الوحي، قال مكي: «فلما كتب عثمان المصاحف، ووجهها إلى الأمصار، وحملهم على ما فيها، وأمرهم بترك ما خالفها، قرأ أهل كل مصر مصحفهم الذي وجّه إليهم على ما كانوا يقرءون قبل وصول المصحف إليهم مما يوافق خط المصحف، وتركوا من قراءتهم التي كانوا عليها مما يخالف خط المصحف» (٤).
ولما كان خط المصاحف القديمة مجردا من علامات الحركات ومن نقاط الإعجام فقد ساعد ذلك على الاحتفاظ بقراءات الأمصار التي لا تقتضي تغيير رسم الكلمات، فثبت أهل كل مصر من الأمصار على ما تلقوه من قراءات موافقة للخط، وتركوا ما كان من القراءات خارجا عن خط المصاحف، مما كان مرخصا بقراءته برخصة الأحرف السبعة، قبل أن يجمع عثمان، رضي الله عنه،
(٢) النشر ٢/ ٢١٤.
(٣) المصدر نفسه ٢/ ٢٦٣.
(٤) الإبانة: ص ١٦.