وفي قصة حماد الراوية (ت ١٥٥ هـ) (١)، الذي كان مشغولا برواية الشعر عن تعلم قراءة القرآن، فلما أراد أن يحفظ القرآن قرأه في الصحف، قال أبو أحمد العسكري: «روى الكوفيون أن حمادا الراوية كان حفظ القرآن من المصحف، فكان يصحّف نيفا وثلاثين حرفا» (٢).
وقد تناقلت كتب التصحيف وغيرها أمثلة مما صحّفه حماد على سبيل التمثيل والحذير من الوقوع فيما وقع فيه، فمن ذلك أنه قرأ (٣): وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ (٦٨) [النحل] فصحفها إلى: النخل، بالخاء. وبَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢) [ص] صحفها إلى: غرة، بالراء. ولِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧) [عبس] صحفها إلى: يعنيه بالعين.
ويدل موقف العلماء من حماد الراوية أن القراءات الصحيحة التي اشتهر القراء السبعة وغيرهم ليست ناشئة عن الخط، وإلّا لكان حماد أحد القراء المشهورين، بدل أن كان مثالا لسوء التدبير وعدم اتباع منهج علماء القراءة بتعليم القرآن مشافهة من العلماء بالقراءة.
وتعبر عن هذه القضية كلمة قالها الناس في الزمن الأول، وهي: «لا تأخذوا القرآن من مصحفيّ، ولا العلم عن صحفيّ» (٤). فالمصحفي هو «من لم يقرأ القرآن على القراء ويتعلم من ألفاظهم» (٥). وإنما اعتمد على القراءة في المصحف فقط، وأما الصحفي فهو الذي يروي العلم من الصحف فيخطئ في قراءة الصحف لاشتباه الحروف (٦).
(٢) شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف ص ١٢.
(٣) ينظر: حمزة الأصفهاني: التنبيه ص ٣٨ (ط بغداد)، والعسكري: تصحيفات المحدثين ص ٣٣.
(٤) العسكري: شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف ص ١٣.
(٥) العطار؛ التمهيد ١٢٧ و.
(٦) الخليل: العين ٣/ ١٢٠.