قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب منها صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الرّان الذي ذكر الله في القرآن كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) [المطففين]» (١).
والمتأمل في ما روي عن النبي ﷺ من بيان لمعاني آيات أو كلمات من القرآن يجد أكثر تلك الروايات جاءت جوابا لمسائل سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كانت استدلالا منه على معنى، فيكون ذلك الاستدلال بيانا لمعنى الآية، وجاء عدد منها تفسيرا نبويا لكلمات أو آيات من القرآن توضيحا لمعناها وتأكيدا له في نفوس الصحابة، رضي الله عنهم.
ويمكن للدارس أن يلحظ أن تفسير القرآن في عصر النبوة لم يكن شاملا لكل القرآن الكريم، ولعل ذلك يرجع من جانب إلى فصاحة الصحابة التي مكنتهم من إدراك معاني كثير من آي القرآن من غير حاجة إلى سؤال النبي ﷺ عنها، وإلى أن التطبيق العملي لأحكام القرآن الذي كانوا يشاهدونه ويشاركون فيه قد أغناهم من جانب آخر عن السؤال عن معاني الآيات الكريمة.
ولعل هناك عاملا آخر أسهم في تقليل مسائل الصحابة عن معاني آي القرآن، هو قوة إيمانهم، وصفاء عقيدتهم، وعمق يقينهم، فكرهوا لذلك السؤال عما تشابه من آي القرآن مما استأثر الله بعلمه (٢)، فلم يرو أنهم سألوا عنه رسول ﷺ بل كانوا يقولون: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا، واتجهوا إلى الجانب العملي من

(١) الإتقان ٤/ ٢٥٢، وتفسير ابن كثير ٤/ ٤٨٦.
(٢) مثل كراهة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، سؤال صبيغ التميمي عن معاني آيات من متشابه القرآن، حتى إنه ضربه بعراجين النخل. وكان عبد الله بن عباس، رضي الله عنه، إذا ألح عليه رجل في مسألة من هذا الجنس قال له: ما أحوجك أن يصنع بك كما صنع عمر بصبيغ (ينظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى ١٣/ ٣١١، وتفسير ابن كثير ١/ ٦ و ٤/ ٢٣٢).


الصفحة التالية
Icon